جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في زمن اعتادت فيه الدراما التلفزيونية التنقل السريع بين القضايا، يأتي مسلسل “لام شمسية” كعمل فني يتريّث، ويقترب من الجرح من دون استعراض، ويختار أن يفتح نافذة على “التحرش الجنسي بالأطفال” والذي يعدّ واحدة من أكثر القضايا حساسية في المجتمع.
سردية لا تبحث عن الإثارة
يتخذ المسلسل من حياة “يوسف” الطفل الذي يعيش في كنف أسرة متوسطة، نقطة انطلاق هادئة، سرعان ما تنقلب إلى اضطراب صامت داخل الأسرة، وردّات فعل الطفل، من دون أن يقال في البداية أي شيء بوضوح، لتنتقل الأحداث تدريجياً لسرد أبعاد “التحرش” وآثاره.
القوة هنا ليست في الحدث، بل في ما يحيط به، حيث عرض المسلسل التفاصيل الصغيرة، وردود الفعل المرتبكة، والشر الكامن في “المألوف”.
كما لا يحاول المسلسل فضح المتحرش بقدر ما يسائل البيئة التي سمحت له بالتسلل إلى أقرب الدوائر.
الأداء: تمثيل ناضج يترجم الألم
يقدّم علي البيلي أداءً استثنائياً في دور يوسف، بملامحه المتجمدة ونظرته الحائرة، ويجسّد ببراعة معاناة طفل لا يملك أدوات التعبير عمّا مرّ به.
في المقابل، يقدّم أحمد السعدني دور الأب بشحنة إنسانية صادقة، ينتقل من الإنكار إلى الغضب إلى محاولة الفهم، من دون أن يقع في فخ المبالغة.
أما محمد شاهين، فنجح بذكاء في تقديم شخصية “وسام” المتحرش، بأسلوب واقعي وهادئ، مما يجعل حضوره مخيفاً ببساطته وواقعيته.
هذا الأداء يعكس فهماً عميقاً لطبيعة الجريمة، ويفضح كيف يمكن للانتهاك أن يرتدي أقنعة اجتماعية مألوفة ومثقفة بعيداً عن دور الشرير المفضوح الذي عهدته الدراما المصرية والعربية سابقاً.
وركّز المسلسل بشكل رئيسي على دور الرعاية الصحيّة للأطفال، وعدم التهاون في ملاحظة أي تغييرات في حياتهم، الأمر الذي جسّدته أمينة خليل بدور زوجة أب الطفل يوسف، والتي تبعت إحساسها وأمومتها لكشف المتحرّش، مهما كلّفها الأمر.
إخراج يتعامل مع النار بيدٍ باردة
يتميّز إخراج كريم الشناوي بحساسية عالية في التعامل مع مادة درامية شديدة الخطورة والحساسية، إذ لم يعتمد على الصدمة البصرية، بل على التوتر النفسي، والمشاهد اليومية التي توحي أكثر مما تقول.
واعتمد الشناوي إضاءةً، وحركة كاميرا، واختيارات الكادر كلها لخدمة الجو العام للعمل، حيث كل مشهد يُشعرك بأن هناك ما لا يُقال، لكنه محسوس.
التحرش بالأطفال: جريمة تمتد لما بعد الفعل
يتعامل لام شمسية مع التحرش ليس كفعل وحيد ومجرّد، بل كجريمة لها امتدادات طويلة الأمد في النفس والعلاقات.
فالطفل/ة الذي يتعرض لهذا النوع من الانتهاك يخرج منه محملاً بأسئلة لا يقدر على صياغتها، وخوف يصعب تعريفه، وشعور بالذنب لا يعرف سببه.
التحرش الجنسي في سوريا
في السياق السوري، تشير التقارير إلى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بشكل مقلق، فوفقاً لاستبانة أجرتها “شبكة المرأة السورية” عام 2018، أكدت جميع المشاركات تعرضهن لشكل من أشكال التحرش، مع تباين في الأساليب والأماكن، حيث كان الشارع هو الموقع الأكثر شيوعاً لهذه الحوادث.
من جانب آخر، كشفت دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عن تعرض الرجال والفتيان السوريين أيضاً للعنف الجنسي، سواء داخل سوريا أو في دول اللجوء، مما يبرز أن هذه الظاهرة لا تقتصر على جنس دون آخر.
وجدير بالذكر أن أحد أهم أسباب غياب الإحصائيات الدقيقة حول جريمة التحرش في سوريا، يعود للصمت والخوف من الوصمة الاجتماعية، إضافة إلى قلّة الوعي حول هذه الجريمة.
الآثار النفسية والاجتماعية
تترك حوادث التحرش آثاراً نفسية عميقة على الضحايا، تتراوح بين اضطرابات القلق والاكتئاب، وصولاً إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
كما أن غياب آليات الدعم النفسي والاجتماعي، ونقص الخدمات المقدمة للناجين والناجيات، يفاقم من معاناتهم ويؤخر عملية التعافي بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ليس عن التحرش فقط.. بل عن الصمت
النجاح الأكبر لـ”لام شمسية” يكمن في أنه لا يتعامل مع التحرش كحدث معزول، بل كجريمة تُرتكب على مراحل: من السكوت، من الخوف، من الثقة العمياء، ومن تواطؤ غير معلن.
في هذا المسلسل، السكوت شخصية رئيسية، تتغلغل في كل بيت، وتختبئ خلف كل جملة غير مكتملة.
لذا من الممكن تصنيف “لام شمسية” على أنه عمل درامي شجاع، خاصة مع طرح فكرة التحرش بالأطفال الذكور، كما أنّه لا يقدم حلولاً جاهزة، ولا ينشغل بإرضاء الجمهور، بل يضع مرآة أمام مجتمع يحتاج بشدة لأن ينظر إليها
ولا يهم إن شعر بعضهم بعدم الراحة، فربما تكون هذه أولى الخطوات نحو التغيير: أن نغضب، أن نتحدث، ألّا نصمت.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية