جدول المحتويات
«نبض الخليج»
مع بداية كل شهر، تعود الطوابير لتحتل المشهد أمام الصرافات الآلية (ATM) في دمشق وريفها كحال باقي المحافظات السورية، ويجد آلاف الموظفين والمتقاعدين أنفسهم عالقين في انتظار طويل ومرهق لسحب رواتبهم الشهرية.
وفي ظل هذا المشهد، يكشف مدير المصرف العقاري السوري، الأستاذ أكرم درويش، لموقع تلفزيون سوريا، خلفيات هذه الأزمة المتكررة، والأسباب التي جعلت مشهد الطوابير أمام الصرافات يتحوّل إلى جزء ثابت من حياة المواطنين كل شهر. كما تكشف مديرة التسويق المصرفي في المصرف العقاري عن الحلول المرتقبة.
رحلة البحث عن صرّاف
في قدسيا، إحدى ضواحي ريف دمشق، تبدأ السيدة أم زياد، الموظفة المتقاعدة من وزارة المالية، رحلتها الشهرية في البحث عن صراف آلي يمكن أن تسحب منه راتبها التقاعدي.
تتحدث لموقع تلفزيون سوريا عن هذه المعاناة المتكررة، قائلة: “بعد ثلاثين عاماً من العمل في وزارة المالية، وبعد أن أخذت الوظيفة من صحتنا ما أخذت، أجد نفسي مضطرة للانتظار بالساعات لقبض المرتب الشهري.. لا يوجد صرافات آلية كافية، وبطاقتي من المصرف التجاري، ولا يوجد صراف واحد لهذا المصرف في قدسيا، ولا حتى في المناطق القريبة”.
وتتابع: “في كل شهر، أضطر للذهاب إلى ساحة المحافظة وسط دمشق، حيث توجد عدة صرافات، لكن المشكلة أن الجميع يفعل الأمر نفسه، والنتيجة طوابير طويلة قد تستغرق ساعة أو ساعتين من الانتظار.. وغالباً، تتعطل الماكينة فجأة، أو يتم إيقاف السحب مؤقتاً لحين إعادة تغذيتها بالنقود من قبل موظفي المصرف”.
وتصف أم زياد هذا الوضع بأنه “استنزاف شهري لا يليق بمن أفنوا أعمارهم في الخدمة”، وتختم بقولها: “ما من كرامة تحفظ عندما يصبح قبض الراتب رحلة شاقة تبدأ وتنتهي بالانتظار”.
“الراتب يحتاج إلى إجازة”
من حي دمر في غربي دمشق، يروي عبد الرحمن خالد، الموظف في وزارة الزراعة، تفاصيل معاناته الشهرية مع الصرافات الآلية التابعة للمصرف العقاري، ويصف المشهد الازدحام بـ”الكارثي” الذي يفرض على الموظفين التخلي عن دوامهم الرسمي للحصول على راتبهم.
يقول عبد الرحمن لموقع تلفزيون سوريا: “عند نهاية كل شهر، أضطر أنا وزملائي في الوزارة لأخذ إجازة ساعية خلال الدوام الرسمي لنتمكن من سحب الرواتب، لأن الصرافات تتوقف عن العمل بعد الساعة الثالثة ظهراً، مع انتهاء دوام المصرف العقاري”.
ويتابع: “في كثير من الأحيان، لا نتمكن من القبض بنفس اليوم، فنضطر لأخذ إجازة جديدة في اليوم التالي، والوقوف مجدداً في طوابير طويلة أمام الصرافات، والتي غالباً لا تكون كلها تعمل”.
ويضيف عبد الرحمن أن ما زاد الزحام أكثر هو “دمج رواتب المتقاعدين مع رواتب الموظفين في بداية كل شهر، بعد أن كانت تصرف للمتقاعدين منتصف الشهر، مما أدى إلى تضاعف أعداد المنتظرين وازدياد الضغط على الصرافات”.
ويختم قائلاً: “حتى الفروع التي تحتوي على صرافات، نادراً ما تكون فعلياً في الخدمة.. السبب؟ إما الماكينة فارغة، أو الشبكة مقطوعة، أو الصراف خارج الخدمة”.
المعاناة التي تسردها السيدة أم زياد والموظف عبد الرحمن خالد ليست حالات معزولة، بل تمثل واقعاً عاماً تعيشه شريحة واسعة من الموظفين والمتقاعدين في دمشق وريفها. فمع بداية كل شهر، تتحول الصرافات الآلية إلى نقاط ازدحام خانقة، يصطف أمامها المواطنون لساعات في طوابير طويلة، على أمل الحصول على رواتبهم.
كما أن ضعف التوزع الجغرافي لأجهزة الصراف، وغيابها عن كثير من الضواحي والبلدات، يجعل من رحلة الوصول إلى أقرب ماكينة تحدياً بحد ذاته، لا سيما لكبار السن أو من لا يملكون وسيلة نقل خاصة.
كما أن المشكلات التقنية المتكررة مثل تعطل النظام، أو انقطاع الكهرباء، أو توقف الشبكة المصرفية، تزيد من حدة الأزمة وتطيل زمن الانتظار، حتى باتت هذه المشاهد تعتبر جزءاً معتاداً من بداية كل شهر، وفقا لما رصده موقع تلفزيون سوريا.
المصرف العقاري يوضح
في محاولة لتفسير ما يحدث، قدّم مدير المصرف العقاري السوري، الأستاذ أكرم درويش، توضيحات لموقع تلفزيون سوريا حول الأسباب الفعلية للازدحام والطوابير الطويلة أمام الصرافات الآلية.
وقال درويش: “الكتلة النقدية المطلوبة للتغذية يومياً في دمشق هي 6 مليار ليرة سورية، وما يصلنا حالياً هو نصف المبلغ المطلوب فقط”.
وأضاف أن المصرف العقاري يمتلك حالياً 208 صرافات آلية بالخدمة، موزعة بين 100 جهاز من نوع “GRG” تم تشغيلها عام 2019، و108 أجهزة من نوع “NCR” تعود لعام 2014، وهي جميعها “جاهزة فنياً للعمل، شرط توفر التغذية الكهربائية المستمرة والسيولة النقدية الكافية”.
وأشار إلى أن عمل الصرافات يقتصر حالياً على ساعات الدوام الرسمي من الساعة 8 صباحاً حتى 4 ظهراً، باستثناء صالة الصرافات الرئيسية في الإدارة العامة التي تعمل حتى الساعة 8 مساءً، وذلك بسبب ضعف التغذية الكهربائية وانخفاض السيولة.
وبيّن درويش أن المشكلة لا تقتصر فقط على نقص السيولة، بل تشمل أيضاً مشكلات تقنية وخدمية متعددة، إذ تعاني معظم الصرافات من أعطال متكررة في النظام، وانقطاع في الاتصال بشبكة المصرف، أو توقف عمل النظام الداخلي.
أما عن الربط مع باقي البنوك، فقد أوضح مدير المصرف العقاري أن المصرف كان قد أتم الربط مع 12 مصرفاً، منها المصرف التجاري السوري، عبر شركة للدفع الإلكتروني، ليصار إلى توحيد شبكة تضم 700 صراف آلي تخدم المتعاملين مع مختلف البنوك.
لكنه أشار إلى أن هذا الربط تم إيقافه من قبل المصرف المركزي بسبب الظروف الراهنة ونقص السيولة، مما أدى إلى زيادة الضغط على صرافات المصرف العقاري وحدها، في حين أن المصرف لم يقم بتخفيض سقف السحب، ما أسهم في تفاقم الأزمة.
اتفاقيات مجمّدة وخطط تقنية قيد التنفيذ
في ظل تصاعد الشكاوى من الضغط المتزايد على الصرافات الآلية، تحدثت مديرة التسويق المصرفي في المصرف العقاري زهر البان محمد، لموقع تلفزيون سوريا عن بعض الخطوات التي يجري العمل عليها لتخفيف الأزمة.
وأوضحت محمد أن المصرف كان قد وقّع سابقاً اتفاقية مع المؤسسة العامة للبريد، تم بموجبها توزيع نقاط بيع إلكترونية في عدد من مراكز البريد المنتشرة في المدن والضواحي، مما أسهم حينها في تخفيف الضغط عن صرافات المصرف. لكن هذه الاتفاقية، بحسب قولها، توقفت منذ نحو ثمانية أشهر، ما أدى إلى فقدان بديل فعال كان يساعد في تسهيل عمليات السحب.
وأكدت أن المصرف يعمل حالياً على إحياء هذه الاتفاقيات من جديد، لما لها من أثر مباشر في تسهيل وصول المواطنين إلى رواتبهم، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى صرافات آلية.
كما كشفت عن توجه جديد يتم التحضير له، وهو اعتماد تطبيق “شام كاش”، بدءاً من الشهر القادم لصرف رواتب الموظفين، إذ سيتمكن الموظف أو المتقاعد من قبض راتبه عبر التطبيق مباشرة، من دون الحاجة للبطاقة المصرفية أو الوقوف أمام الصراف، في خطوة ينتظر أن تخفّف من حدة الازدحام وتحدث نقلة في أسلوب تقديم الخدمة المصرفية.
وبين الجهود التي تبذلها الجهات المعنية لتطوير الخدمات المصرفية، والتحديات التي لا تزال قائمة، يبقى أمل الموظفين والمتقاعدين معقوداً على أن يتمكنوا من الحصول على رواتبهم الشهرية بطريقة ميسّرة، من دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير طويلة، وبما يضمن كرامتهم وراحتهم بعد سنوات من الخدمة والعمل.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية