جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أنت في سوريا؟ إذن، عليك تمزيق معجم يومياتك القديم، والاستعداد لتبنّي قاموس مختلف، لأن المصطلحات هنا، ستكون علامة “باركود”، لهويتك الشخصية، حيث المفردات، حاملك الأول. في مكان العمل، أو الشارع، أو باصات النقل الداخلي، عليك حمل لواء الكلمات الجديد “الموحّد”، بلا تردد، لأن “الغلطة” قد تجر حرباً ضروساً على السوشيال ميديا!.
غربلة شوائب الألفاظ السورية
هكذا، يجهد السوريون، من أجل صياغة مفردات معجمهم الخاص، ويسابقون الأحداث وهي تتسارع، فيهرعون إلى نبش اللغة الفصحى والعامية، لاختراع مصطلح “حفر وتنزيل”. تقول الناشطة المدنية، يارا الأحمد لموقع تلفزيون سوريا: مصطلح “هي الثورة اللي بدكن ياها”، الذي درج كنوع من التهكم على الثورة في بدايتها، يجب أن ينقلب إلى “هي الثورة اللي بدنا ياها”، وذلك مرتبط بالعمل الحقيقي، وبالمهارة في اختراع الاصطلاح.
تعتقد يارا، أن الناس تحتاج مزيداً من الوقت، حتى تتمكن من غربلة شوائب الألفاظ المتسللة، عن طريق أصحاب الطوائف والأعراق والمنافع الشخصية، الذين يحاولون تمرير الكلمات، من دون أن يراها سيبويه الثورة!.
يتصف معجم الناس في الشارع وحافلات النقل ومحال البيع، بالانفتاح على المصطلحات، أكثر من معجم مؤسسات الدولة والسياسيين. فتلقائية المواطنين العاديين، جعلتهم أكثر رحابة وسخرية في التقاط القصة وتحويلها لمصطلح. هنا لا اعتبارات ولا مواقف مسبقة، بل تماس مباشر مع الأرض.
يسرد لنا أحد الباعة، نكتة عن شخص، رفع تقريراً يتهم زوجته، بمصطلح “فلول”، حتى يتخلص منها. لكن الزوجة كانت أذكى، عندما قصفته بمصطلح “أذيال النظام” الذي جهزته احتياطاً، بسبب عدم ثقتها بالزوج.
لا “قائد مفدى” في سوريا
من جانب رسمي، شطب السوريون من معجمهم، مصطلح “القائد المفدى”، فالرئيس أحمد الشرع، غالباً ما يُخاطب بـ”الشرع”، وفي أحد اللقاءات الشعبية، نادته إحدى النساء: “أبو محمد”، وهذه سابقة في تاريخ سوريا المعتادة على مصطلح “الرئيس المناضل”، و”الأب القائد”، وما شابههما من ألقاب تمجيد الفرد، وتصنيمه عن سابق الإصرار والعمد.
يقول الناشط المدني علاء كاتبي: “إن الوقت مازال مبكراً، للوصول إلى معجم نهائي يتفق عليه السوريون، فالمسألة تتطلب حوارات وشجارات واختلافات كبيرة في الرأي، وتلك حالة صحية دون شك”.
كلما توغل المرء أكثر باتجاه الأرياف، بعيداً عن العاصمة، تصبح المصطلحات، أكثر ماضويةً، كأن هناك معاجم موازية تنشأ في تلك الأماكن، نتيجة عدم تبلور معاجم المؤسسات الرسمية وعدم توليها المهام بشكل شامل بعد. لكن الناشط كاتبي، يقول إن من شأن اكتمال المعجم في دمشق، أن يلغي ظاهرة المعاجم المتفرعة، مثل “الهيئة الشرعية” و”الشيخ” و”الأمير”، التي يفرضها أفراد متنفذون في معاجم الأرياف.
ومنذ أيام، تسبّب مصطلح “حرّرناكم”، بمشكلة في حي المزرعة بدمشق، بعد أن استخدمه أحد رجال الأمن، في وجه شاب من الحي، ما دفع الشاب للرد بغضب: “أنتم لم تحررونا.. لقد حررنا الله.. لسه كل ما تنفسنا بقولوا حررناكم.. لم تحررونا، بل الله فعل”.
وبالطبع، استحضرت هذه الحادثة، المصطلح القديم الذي انتشر إثر سقوط النظام بأيام، والقائل: “من يحرر يقرر”، وقد أثار حينها احتجاجات كثيرة، لأنه يلغي مفهوم الحرية والديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرارات، وهي مبادئ أساسية نادت بها الثورة.
مصطلحات أخرى، شبيهة بما سلف، درجت على ألسنة الناس وفي السوشيال ميديا، وسببت جدلاً بين السوريين، مثل “ليش ما حكيت من 14 سنة”، يقول علاء: “منذ 14 عاماً، كان عمري 6 سنوات، فماذا أفعل الآن، هل أتلاشى مثلاً؟”.
تغيير أسماء الأماكن في دمشق
على صعيد الأماكن، حلت المصطلحات الجديدة، مكان أخرى قديمة، لكن بعضها لم يحالفه الحظ في حجز مقعد في المعجم. فجسر “الرئيس” بدمشق، أصبح اسمه جسر “الساروت”، لكن اسمه القديم بقي حتى الآن، مسموعاً في صراخ سائقي سرافيس “مهاجرين صناعة”، على عكس “ساحة الرئيس” في جرمانا، التي لبست اسم “ساحة الكرامة” بسرعة فائقة، بعد أن تم تدمير التمثال في وسطها.
من طرائف التسميات والمصطلحات في سوريا اليوم، غياب أسماء المسؤولين، لصالح مصطلح أبوّتهم لابنهم البكر، فرئيس الديوان في إحدى الوزارات اسمه “أبو عمر”، والموظف الذي يختم الأوراق الرسمية هو “أبو عبد الرحمن”، ورئيس قسم “الذاتية”، “أبو طه”، والمسؤول الأمني “أبو خالد”، وتلك ظاهرة من المصطلحات تستحق دراسة خاصة.
تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي لموقع تلفزيون سوريا، إن هذه المرحلة من تاريخ سوريا، يمكن تسميتها بغربلة المصطلحات، حيث ستأخذ المسألة زمناً من التفاعل بين السوريين، وبين القوى السياسية، حتى يتمكن كل طرف، من تقبل مصطلحات الطرف الآخر، من دون الطعن أو التشكيك في النيّات والدوافع، انسياقاً وراء مصطلح “المؤامرة”.
مصطلحات المعجم السوري اليوم، مفرودة في الشوارع، وعلى منابر السوشيال ميديا، تخوض حوارات ساخنة، يحاول فيها كل مصطلح، إثبات جدارته بنيل مقعد خاص في القاموس. لكن تجارب التاريخ تقول، إن ما سيصمد أمام الزمن، هو الإنجاز الفعلي على الأرض.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية