جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
شهدت الأسواق العالمية هبوطًا غير مسبوق في أسعار الأرز، أحد أكثر السلع الغذائية الأساسية استهلاكًا حول العالم، حيث سجلت عقود الأرز الآجلة في بورصة نيويورك (Comex) تراجعًا إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ ما يقارب خمس سنوات، مما دفع العديد من المحللين والمراقبين إلى دق ناقوس الخطر بشأن تداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي، وخصوصًا الأمن الغذائي في الدول النامية.
تفاصيل الانخفاض على مستوى العقود الآجلة
في آخر جلسة تداول على بورصة نيويورك (Comex)، تراجع سعر عقد يوليو للأرز الخام بنسبة 0.72%، ليغلق عند 12.72 دولارًا لكل مائة باوند (centner). لكن الأكثر إثارة للقلق هو أن السعر خلال الجلسة هبط مؤقتًا إلى 12.25 دولارًا، وهو المستوى الأدنى الذي يسجله منذ نوفمبر عام 2020، ما يعكس تغيرًا حادًا في ديناميكية السوق.
منذ بداية أبريل فقط، تراجعت أسعار الأرز بنسبة تجاوزت 6%، بينما بلغت نسبة الانخفاض منذ مطلع العام الجاري ما يقارب 10%، وهو ما يعكس استمرار الضغط السلبي على أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية، وسط تقلبات اقتصادية متزايدة.
خلفيات اقتصادية وسياق تاريخي
رغم هذا الانخفاض الأخير، تجدر الإشارة إلى أن أسعار الأرز قد شهدت في نهاية عام 2024 ارتفاعات حادة، خصوصًا في السوق اليابانية، حيث أفادت التقارير أن الأسعار في نوفمبر من ذلك العام ارتفعت بنسبة 63.6% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، مسجلةً بذلك أعلى ارتفاع منذ بدء الإحصاءات الحديثة في اليابان عام 1971.
وفي أكتوبر 2024، بلغت نسبة الزيادة في الأسعار نحو 58.9%، ما شكل ضغطًا كبيرًا على المستهلكين وأثار مخاوف من موجة تضخم غذائي عالمية.
أسباب التراجع في 2025
يرى الخبراء أن الانخفاض الحالي يعود إلى جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها تحسن مواسم الزراعة في بعض الدول المنتجة للأرز، واستقرار الإنتاج في جنوب شرق آسيا، لا سيما في الهند وتايلاند. كما أسهمت انخفاضات الطلب في بعض الأسواق المستوردة، بالتوازي مع استقرار سلاسل التوريد، في تراجع الأسعار.
هذا إلى جانب تراجع أسعار الحبوب الأخرى، حيث شهدت الأسواق انخفاضًا نسبيًا في أسعار القمح والذرة، مما قلل الضغط على استهلاك الأرز كبديل، وأدى إلى استقرار نسبي في العرض مقابل الطلب.
تداعيات على الأمن الغذائي
لا ينظر إلى هذا التراجع من زاوية إيجابية فقط؛ فبينما قد يرى المستهلك انخفاض الأسعار أمرًا مرحبًا به، يحذر خبراء من أن استمرار تراجع أسعار المحاصيل الأساسية قد يضرب الإنتاج الزراعي مستقبلاً. إذ أن انخفاض هامش الربح يدفع المزارعين إلى تقليص المساحات المزروعة، ما قد يؤدي إلى شح في الإمدادات لاحقًا، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية التي تهدد المحاصيل الزراعية.
تأثيرات على الدول النامية
تعتمد العديد من الدول النامية، وخصوصًا في جنوب شرق آسيا وأفريقيا، على واردات الأرز بشكل كبير لتلبية احتياجات السكان. وبالتالي فإن تقلب أسعار الأرز بشكل كبير، سواء ارتفاعًا أو انخفاضًا، يؤثر على ميزانيات الدول وعلى المستهلكين بشكل مباشر.
كما أن الدول التي تعتمد على تصدير الأرز كمصدر رئيسي للدخل، مثل تايلاند والهند، قد تتضرر بشكل كبير جراء استمرار انخفاض الأسعار، ما يؤثر على ميزانياتها العامة وعلى دخل المزارعين المحليين.
المشهد الغذائي العالمي وفق تقارير الفاو
في السياق ذاته، كانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قد أشارت في تقاريرها إلى أن سبتمبر من عام 2024 شهد أسرع وتيرة لارتفاع أسعار الغذاء عالميًا منذ عام ونصف. وذكرت المنظمة أن أسعار السكر ارتفعت بنحو 10.4%، وهي زيادة أثرت على مؤشر الأسعار الغذائي العالمي.
كما سجلت أسعار الحبوب الأخرى ارتفاعًا بنسبة 3%، في حين ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 4.6%، ومنتجات الألبان بنسبة 3.8%، واللحوم بنسبة 0.4%. وهذا يدل على أن الانخفاض الذي شهدته أسعار الأرز لا يعكس بالضرورة اتجاهًا عامًا في الأسواق، بل قد يكون حالة مؤقتة ناتجة عن ظروف إنتاجية أو تجارية استثنائية.
مستقبل السوق وتوقعات الأسعار
بحسب عدد من المحللين الاقتصاديين، فإن استمرار التراجع في أسعار الأرز يعتمد على عدد من المتغيرات المستقبلية، أبرزها موسم الزراعة القادم في جنوب شرق آسيا، ومدى استقرار المناخ، وكذلك مدى تدخل الحكومات في دعم أو تقليص إنتاج الحبوب.
ويرى بعض المحللين أن السوق قد يشهد تصحيحًا في الأسعار مع عودة الطلب في النصف الثاني من العام، خصوصًا مع عودة بعض الأسواق إلى الاستيراد بعد أن استنزفت مخزوناتها خلال فترة ارتفاع الأسعار.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر