جدول المحتويات
«نبض الخليج»
تعتزم فداء (45 عاماً) وأميرة (38 عاماً)، قبيل دخول شهر رمضان بأيام، زيارة السوق للتبضّع وشراء لوازم الشهر، بعد خروجهما من إحدى المدارس الابتدائية حيث تعملان كمشرفات. يأتي ذلك بعد أن سَمِعن بموجة هبوط ملحوظة في أسعار كافة السلع الغذائية قياساً بالأعوام السابقة.
لكن، يقف أمامهن حاجز المعاش المحدود، ويحول دون إمكانية استعادة الأيام السابقة والتبضع لكامل الشهر، مما يضطرهن إلى اتباع قاعدة اعتمد عليها معظم السوريين في السنوات الأخيرة، وهي شراء المستلزمات اليومية فقط، وخاصةً في ظل وجود التزامات أخرى، كآجار المنزل، ومستلزمات الأولاد، وغيرها من المصاريف، وذلك بحسب أميرة.
وفي حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، قالت فداء “اشترت كل منا مثلاً لتراً من الزيت، ونصف كيلو من التمر، وقدّرنا أنه ربما يكفي لأسبوع، وبعدها الله بيفرِج“.
من جانبها، قالت أميرة إنه “بالإضافة إلى بعض الكميات القليلة من المؤن الأخرى، من بهارات وبقوليات وغيرها، يلجأ معظمنا صراحةً إلى (بقالة الحارة) لنستكمل تبضّع الشهر، والسداد مع مطلع الشهر التالي”.
إرث الأمهات في رمضان
للتدوير اليوم في رمضان غايتان: حفظ النعمة أولاً، وإمكانية العيش في ظل تدني الظروف الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية لدى أغلب السوريين.
ولن تقف الأم السورية مكتوفة الأيدي أمام صغارها إن اشتهت نفوسهم في رمضان طبقاً لا تمتلك أولياته، ولن تحول دون إرادتها ظروف اقتصادية صعبة، فسياسة تدوير الطعام وتحويله إلى أطباق مختلفة ليست بالمبتكرة ولا الحديثة عند السوريات، بل هي قديمة العهد.
واليوم، تنتهج الكثير من الأمهات السوريات نهج حفظ النعمة من خلال تدوير الطعام على مدار السنة، إلا أنها تنشط في رمضان لأسباب عديدة، أهمها تنوع المائدة الرمضانية، فاحتمالية بقاء كمٍّ لا يستهان به من طبق، أو بضع لقيمات من طبق آخر، ممكنة جداً، ما يجعل الأم تقف أمام حيرة في التصرف، لتجد في تدوير الأطباق ضالتها، وتبدأ بابتكار أصناف لأطباق جديدة تتكئ في تحضيرها على الكميات المتبقية من الأطعمة، مستعينة بإضافة مواد أخرى قليلة، تخرج منها بطبق جديد، ربما أشهى من الطبق الأصلي أحياناً.
تقول فداء إن “أمهاتنا اللواتي عايشن الحروب، وما ينتج عنها من ضنك العيش على مدار الزمن، كان تدوير الطعام سنداً وداعماً لهن، فصنعن من الخبز اليابس (فتوشاً) مطهياً بالماء المغلي والثوم والقليل من الدسم في حماة، وأنتجن ما يقاربه في حمص تحت اسم (حره بإصبعه)، وأخرجن برغلاً أحمر حين أضفن لبقايا المرق برغلاً في حلب”.
وتؤكد فداء أن أمهاتنا “هن من زرعن فينا حفظ النعم، وفتقن في عقولنا فكراً يبحث دائماً عن تحويل أبسط الإمكانيات المتوفرة بين أيدينا إلى طبق شهي يُسعد العائلة”.
وليمة رمضانية من لا شيء
تقول دانية (44 عاماً) “نحن أمهات، إذا تبقى لدينا طبق من التبولة ولا يمكن أكله في اليوم التالي، لا نرميه، بل نضيف له كوباً من الأرز مع بعض البهارات، فيُصبح حشواً لليالنجي (ورق العنب الملفوف والمحشو بتلك الخلطة والمطهو بزيت الزيتون)“.
وفي حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، تضيف دانية “الخبز البائت نقليه مباشرة ونحفظه في علبة في الثلاجة، ويُستخدم في الفتوش والفتات التي تُحضر بكثرة في المائدة الرمضانية. الباذنجان المقلي لا يمكن أكله في اليوم التالي، فتلجأ معظمنا لتحويله إلى المتبل“.
وتشير دانية إلى أنه “حتى (متومة الكوسا)، والتي هي أصلاً من بقايا لبّ الكوسا المحفور التي نفضل طهيها على رميها، لم أضف لها النعناع عندما طهوتها في رمضان، لأتمكن في اليوم التالي من خفقها بالخلاط، وإضافة اللبن والطحينة والخبز المحمص لها، لتخرج طبقاً جديداً“.
وفي مقابل ذلك، تلمس دانية الملل عند أطفالها أحياناً من الوصفات المتكررة للب الكوسا تحديداً، فابتكرت منها طبقاً شهياً في رمضان، أحبت أن تشاركنا سره.
توضح دانية أنها تقطع لب الكوسا قطعاً ناعمة وتصفيه جيداً من الماء، وتضيف له بعض أنواع الخضار المفرومة ناعماً، كالفليفلة الملونة، والبقدونس، والبصل، والثوم، إضافة إلى خليط الطحين والبيض والبهارات، وقدمته كطبق عجة مبتكر، بعد أن أدخلته الفرن وزينته بحبات الفطر “المشروم” تارة، وبالجبن وحبة البركة تارة أخرى.
حين يُقسم الورك على أربعة
أن تتربع اللحوم أو الدجاج على رأس المائدة الرمضانية كل يوم، أمر يقارب المستحيل في سوريا. لذا، فإن المتبقي من طبق اللحوم لن تُفرط به الأم، ولن تُؤثِر به أحد صغارها على الآخر، فما من خيار أمامها إلا اللجوء إلى التحايل على الطبق.
تقول أميرة “حضّرت الكبسة منذ يومين، وتبقّى وِرك من الدجاج لليوم التالي. لدي أربعة أطفال، ومن غير الممكن أن أفضّل أحدهم على الآخر، فطهوت قدراً من الملوخية، وأضفت لها بقايا الدجاج المقطع لتتساوى القسمة بين صغاري. وحولت بقايا الدجاج المشوي كذلك إلى رولات من الشاورما في بداية الشهر“.
الأمر نفسه أكدته لينا (42 عاماً)، حين حولت بقايا (اللحمة بالصينية) إلى أصابع من الكفتة، وأضافت لها أصابع من البطاطا المقلية مع الثوم وعصير الليمون، وطبختها قليلاً وقدمتها بجانب الأرز كطبق جديد لم يُكلفها الكثير.
سياسة الأمر الواقع: لقمتان من الباقي أولاً
أطلقت عليها مرح (36 عاماً) فقرة “الطعام الإجباري” أو “طعام الأمر الواقع”، وفق تعبير عائلتها، حيث تجد الكثير من الأمهات أن الحل الأمثل مع الطبق القليل المتبقي، في ظل وجود طبق جديد وعدم رغبتهن في رمي القديم أو كساده في الثلاجة، هو سياسة الأمر الواقع.
أي أن الطبق حاضر على المائدة، ويُجبَر كل فرد من العائلة على أكل لقمتين منه قبل الشروع بالطبق الجديد.
وفي حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، تقول مرح “نلجأ بالتأكيد لتدوير الطبق المتبقي في رمضان، على اعتبار أن نفس الصائم تشتهي اللذيذ والمختلف من الطعام كل يوم، كتحويل الأرز مع البازلاء إلى أوزي، لتصبح شهية ومغرية الشكل بعد أن تُلف برقائق العجين وتُحمر في الفرن. وكذلك نحول بقايا المحاشي والسجقات إلى فتة، حتى المقالي نضربها بالخلاط ونحولها إلى متبل بعد إضافة اللبن والطحينة مع الثوم“.
في حين أشارت لينا إلى أنها تصنع أطباقاً مختلفة من بقايا المقالي، من سلطات وفتات، بإضافة بعض أنواع الخضار والصوصات، فتصبح أطباقاً شهية.
وتقول لينا “حولت قطعة متبقية من صدر دجاج مشوي إلى طبق شهي بإضافة الخبز المحمص والكوسا المقلية، مع صوص اللبن والثوم وأوراق السبانخ وحب الرمان“.
صفر أخطاء
وفي حديثها كصيدلانية ومهتمة بالصحة الغذائية، تقول دانية “أجزم صراحة أن أمهاتنا أبدعن في هذه السياسة التي أَصنفها ‘صفر أخطاء’، ولكن لا بد من الحذر والتنويه إلى أنواع الطعام التي يمكن تدويرها، وكذلك أخذ الجانب الصحي بعين الاعتبار أثناء التدوير“.
وتضيف أن “هناك أنواع لا يمكن تدويرها لأن صلاحيتها قصيرة، وتتكاثر فيها الجراثيم بسرعة، كمرق اللحوم والدجاج، فلا يمكن أن تبقى لأكثر من يومين في الثلاجة. وكذلك الأرز المطبوخ يتحمل ثلاثة أيام كمدة قصوى، وهذا بالطبع في حال وُضع في الثلاجة خلال 3-4 ساعات من طبخه“.
وتشدد دانية أن “المقليات لا يمكن إعادة قليها مرة أخرى، ولا حتى تسخينها بحرارة عالية، فحينها نُعرض القطعة المغلفة بالزيت الحامي أصلاً لنفس الزيت مرة ثانية، مما يجعلها غير صحية. فيفضل في هذه الحالة تحويلها إلى أطباق باردة كسلطات وغيرها، أو تسخينها في الفرن بحرارة منخفضة“.
وتشير دانية إلى أن الأطعمة الجافة هي الأكثر تحملاً لإعادة التدوير، فزمن بقائها صحية أطول، مثل أنواع الكيك، والخبز، والبيتيفور، وأغلب المخبوزات. فالكيك القديم مثلاً يمكن أن يُسقى بالحليب، ويُضاف له الكريمة أو القشطة مع بعض أنواع الفواكه وغيرها من المنكهات.
نصائح لتدوير آمن
تشير دانية إلى أنها لاحظت سلوكيات التدوير غير الصحية عند الغرب أكثر، وأننا تفوقنا في المطبخ العربي، والسوري تحديداً، في صحة أطباقنا، فمثلاً، في لندن حيث تقيم، وجدت أن من أهم السلوكيات الخاطئة تسخين الكرواسان البائت وحشوه بكريمة الفستق أو اللوز.
تقول دانية “هي أنيقة الشكل جداً، ولذيذة وشهية، ولكن الكرواسان أصلاً مفعم بالزبدة، فملؤه بتلك الحشوات الغنية بالزبدة، وإعادة تعريضه لحرارة عالية في الأفران، هو أمر سيئ للغاية صحياً، حيث تتجاوز قيمة الحبة الواحدة 2000 سعرة حرارية“.
وتضيف دانية أن “الوصفة الأجدر بالتجريب هي تفتيت بقايا الكرواسان أو الكيك البائت، وتحويله إلى الطبق المصري الشهير والصحي (أم علي)، من خلال تسقيته بالحليب المسخن والمحلى والمنكّه بالقرفة، وتزيينه بالقرفة والمكسرات”، وذلك في إشارة منها إلى تفوق مجتمعاتنا العربية في تدوير الطعام.
وتؤكد أنه “من الجيد أخذ معيار الصحة بعين الاعتبار عند لجوئنا للتدوير، وأن نقتدي بنهج أمهاتنا بتبسيط الطعام والحفاظ على صحيته. فمثلاً، سمعت عن فتة المحاشي، التي هي طبق غني بالدهون، فمن غير المستحب استخدام الخبز المقلي فيها، والاستعاضة عنه بالخبز المنشف أو المحمص كبديل صحي“.
تشير دانية إلى أنها، من خلال متابعتها لوسائل التواصل الاجتماعي ومصادفتها للوصفات غير المدروسة صحياً أحياناً، ترى أن بعض النساء يشجعن مثلاً على تحويل البطاطا المقلية إلى طبق من البطاطا الحارة، بإضافة الثوم والكزبرة والفليفلة وزيت الزيتون، أو تركها على حالها، بدلاً من تحويلها إلى عجينة أُضيفت إليها المرتديلا المصنعة، وجبنة الموزاريلا التجارية، التي هي عبارة عن أجبان معدلة بالزيت النباتي، ثم إدخالها الفرن لتحويلها إلى وجبة سحور، كما شاهدت في إحدى القنوات.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية