«نبض الخليج»
صحيح أن نتنياهو شخصية مركزية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من المهم ونحن نتحدث عن نتنياهو أن نؤكد أنه يمثل تيارا أساسيا في إسرائيل يحمل في ذهنيته كل معاني القتل والتدمير والتهجير والدموية، ولكن بحكم موقعه في أعلى سلم صنع القرار فإن الضوء يكون مسلطا على نتنياهو الذي يجمع بين مصالحه الشخصية ورؤية محددة لهذا التيار الإجرامي.
لم يكن نتنياهو يريد وقف الحرب على غزة، وكان هناك عدد من المؤشرات على ذلك، منها رفضه الانخراط في مباحثات أولية للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عدم تنفيذ كثير من شروط الاتفاق التي تم التفاهم عليها في وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، وإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بمجرد انتهاء المرحلة الأولى.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يريد نتنياهو استمرار الحرب؟ إن الجواب على هذا السؤال يعود إلى يوم 7 أكتوبر بدرجة أساسية حيث أن إيقاف الحرب يعني أن نتنياهو سيتحمل المسؤولية بشكل كامل عن الفشل الكبير في 7 أكتوبر، وبالتالي التمهيد لمساءلته وإبعاده عن منصب رئيس الوزراء.
وبشكل تفصيلي أكبر يمكن أن نطرح سؤالا آخر، وهو لماذا عاد نتنياهو للحرب على غزة مرة أخرى بالرغم من أن حركة حماس أبدت مرونة كبيرة في اتفاق وقف إطلاق النار؟ والجواب هنا أيضا متعلق بأزمات إسرائيل الداخلية.
هناك كثير من الأزمات الداخلية في دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي تفجرت بعد 7 أكتوبر، وأول هذه الأزمات هي أزمة داخل الائتلاف الحاكم والذي يستفيد نتنياهو من مواقفه المتشددة من أجل الاستمرار في الحرب والتدمير، وهناك أزمة مع المؤسسة الأمنية والعسكرية، وقد استطاع نتنياهو التخلص من رئيس الأركان هرتسي هليفي وعين رئيس أركان جديد مقرب منه وهو سكرتيره العسكري السابق، إيال زامير.
تشير العديد من التوقعات أن نتنياهو قد يطيل مدة الحرب على غزة إلى أكثر من عام من أجل منع إجراء الانتخابات المقبلة في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
أما الأزمة الجديدة فهي مع رئيس جهاز الشاباك رونين بار فقد ضغط نتنياهو بشكل كبير من أجل إقالته وقام بأخذ قرار رسمي من مجلس الوزراء بهذا الصدد، وقد رفض رونين بار هذا القرار، وحاليا قامت المحكمة الإسرائيلية العليا بتعليق قرار نتنياهو.
وهناك معركة يقودها وزير العدل في ائتلاف نتنياهو الحكومي وهو التخلص من المستشارة القضائية للحكومة التي تطالب منذ عدة أشهر بتشكيل لجنة تحقيق رسمية كما أنها أعلنت عن موقف مساند لرئيس الشاباك في مواجهة نتنياهو.
كما أن حكومة نتنياهو كانت تحتاج إلى تمرير قانون الميزانية في الكنيست ولهذا عمل نتنياهو على إرضاء كافة حلفائه الذين يريدون استمرار الحرب وعلى رأسهم الوزير ايتمار بن غفير الذي كان قد استقال بسبب التوقيع على اتفاق إطلاق النار وعاد إلى الحكومة في نفس اليوم الذي قصف الجيش الإسرائيلي مدينة غزة.
يريد نتنياهو أن يحرف الأنظار عن أزماته الداخلية من خلال إشعال الحرب في غزة وقتل النساء والأطفال حتى يبقي إسرائيل في حالة حرب وحالة طوارئ لعل ذلك يبعده عن عملية المساءلة وفي نفس الوقت يعمل على التخلص من المعارضين له في مؤسسات الدولة.
من زاوية أخرى لا يتمنى نتنياهو اقتراب تاريخ الانتخابات لأنه سيخسر في أي انتخابات قادمة، ولذلك أعاد الحرب إلى غزة وهي يريد كما قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند: حربا بلا نهاية، وسيظل يختلق الحجج من أجل عدم إجراء انتخابات برلمانية في وقتها لأنه يدرك أنه لن يحصل على أغلبية لتشكيل ائتلاف حكومي جديد. وبالمناسبة لم تحكم اسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 إلا من خلال ائتلافات ولم يستطع أي حزب تشكيل حكومة بمفرده.
ولهذا تشير العديد من التوقعات أن نتنياهو قد يطيل مدة الحرب على غزة إلى أكثر من عام من أجل منع اجراء الانتخابات المقبلة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في 27 أكتوبر 2026 لانتخاب 120 نائبا برلمانيا.
أما السياق الآخر الذي يوجد خشية من وجوده في أفكار نتنياهو ورئيس الأركان الجديد وهو أن العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة على مدار 15 شهرا لم تكن كافية لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة، وقد فشلت تصريحات ترمب في أن تجد انعكاسا لها على الأرض مع وجود رفض فلسطيني وإقليمي لكل خطط التهجير، ولكن من الواضح أن أفكار التهجير لا زالت باقية على أجندة نتنياهو وأجندة اليمين الصهيوني والقادة الجدد في الجيش الإسرائيلي. ولهذا فإن التهجير قد يكون أحد أهداف العودة للحرب على غزة من جديد.
نتنياهو من أجل الهروب من مشكلاته الداخلية قام بقتل مئات الأطفال والنساء في غزة خلال شهر رمضان وفي وقت السحور.
هناك عامل آخر وهو أن إسرائيل لا تتعرض لأي ضغوط كافية من أطراف دولية وإقليمية من أجل إيقاف الحرب، إن اسرائيل من نوعية الدول التي لا تفهم لغة الحوار والدعوة للسلام ووقف الحرب، بل هي لا تفهم إلا لغة الضغط والقوة.
على كل الأحوال فإن المقاومة الفلسطينية في غزة لن تستسلم مهما كانت الظروف صعبة وستظل تقاتل، وستوقع خسائر كبيرة في جيش الاحتلال الإسرائيلي كما أن هذا الجيش يخاطر بقتل مزيد من الأسرى الإسرائيليين الموجودين في غزة.
ختاما يمكن القول إن نتنياهو من أجل الهروب من مشكلاته الداخلية قام بقتل مئات الأطفال والنساء في غزة خلال شهر رمضان وفي وقت السحور، ولذلك لا يمكن أن يتوقف نتنياهو عن القتل إلا من خلال وجود ضغط كبير عليه ولكن للأسف يبدو أن الضغط الدولي الضعيف وموقف إدارة ترمب المتقلبة تسمح له بين الوقت والآخر بتنفيذ أجندته الدموية.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية