«نبض الخليج»
تشهد صناعة المأكولات السورية في مصر ازدهارًا ملحوظًا خلال شهر رمضان، حيث يزداد الطلب على الأطباق الشرقية التقليدية التي تحظى بشعبية كبيرة بين السوريين والمصريين والعرب المقيمين على حد سواء. ومع تزايد أعداد السوريين المقيمين في مصر، أصبح الطعام المنزلي السوري ليس مجرد وسيلة للعيش، بل نافذة للتمسك بالهوية والتراث في الغربة. يشكل رمضان موسمًا ذهبيًا لأصحاب المشاريع الصغيرة الذين يعملون في إعداد الوجبات المنزلية، حيث يعتمد العديد من المغتربين والعائلات على هذه الخدمات للحصول على وجبات رمضانية أصيلة دون عناء الطهي.
الوجبات المنزلية.. مشروع يواكب الطلب المتزايد
بدأت العديد من السيدات السوريات في مصر مشاريعهن الخاصة في إعداد الطعام المنزلي، مستفيدات من مهاراتهن التقليدية في الطهي والإقبال المتزايد على الأكلات الشرقية.
مرح، إحدى السيدات السوريات المقيمات في مصر، أطلقت مشروعها منذ ثلاث سنوات، حيث كانت ترغب في استثمار وقتها في عمل تحبه.
وقالت مرح في لقاء مع تلفزيون سوريا: ” أطلقت هذا المشروع, ومنذ اليوم الأول كان لدي أمل كبير أنني سأتميز في مجال الطهي المنزلي”. وأوضحت أن الطلب على الوجبات يزداد بشكل كبير في رمضان مقارنة بالأيام العادية، إذ تجهز يوميًا بين 40 إلى 50 وجبة شخصية، معظمها لطلاب مغتربين لا يملكون الوقت أو المعدات اللازمة للطبخ.
وتقدم أصنافًا متنوعة بأسعار تتراوح بين 100 إلى 120 جنيهًا لوجبات الخضار، و160 إلى 175 جنيهًا لوجبات الدجاج، بينما تتراوح أسعار وجبات اللحوم بين 175 إلى 250 جنيهًا, معتمدةً في الترويج لمنتجاتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الممولة.
المونة: تقليد سوري قديم تمسك به السوريون في مصر
تشكل المونة, وهي تقليد سوري قديم, جزءًا أساسيًا من الطلبات في رمضان، حيث تتزايد الحاجة إلى الأطعمة المجمدة والمقبلات الجاهزة التي تسهل عملية الطهي للصائمين.
أحلام، أم سورية من ريف دمشق، تعمل في مجال الطهي مع والدتها وأختها، وتشير إلى أن الطلب في رمضان ينحصر بشكل رئيسي على الأطعمة المجهزة مسبقًا مثل الكبة، الشيشبرك، اليبرق، والمقبلات وغيرها من الأكلات الشعبية التقليدية, بخلاف باقي الأشهر التي تتركز الطلبات فيها على أصناف المونة التقليدية مثل المكدوس والمخللات والزيتون والمربى.
وعن الضغوطات التي تعيشها في هذا الشهر قالت: “رمضان يكون أصعب عليَّ مقارنة بغيره من الأيام، حيث أحتاج إلى تجهيز الطعام للصائمين، إلى جانب تدريس أطفالي وتحضير طبخة عائلتي قبل المغرب”.
أطلقت أحلام وأختها مشروعهما هذا لكي تعيلا أسرتيهما بعد وفاة زوجها في قصف جوي على ريف دمشق واختفاء زوج أختها في معتقلات النظام السوري المخلوع.
وتعاني أحلام من عدم توفر المال الكافي لشراء المستلزمات مسبقًا، ما يحد من قدرتها على تلبية جميع الطلبات, خاصةً مع ارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الطبخ في مصر.
تحضير الأطعمة التقليدية: إرث عائلي في خدمة الجالية
تعتمد بعض المشاريع على تحضير الأكلات التقليدية السورية وفقًا لوصفات متوارثة. أبو محمد الشيخ، صاحب مطبخ سوري في مدينة العبور، يشير إلى أن الطلب يزداد بشكل كبير جدًا في رمضان، حيث تكثر العزائم والولائم.
وأوضح لتلفزيون سوريا أن أكثر الطلبات لديهم هي مناسف الولائم، الفريكة باللحم أو الدجاج، الكبسة، وأنواع الكباب المختلفة. وأشار إلى أن هذه المهنة متوارثة لديه منذ سنوات طويلة، وهو يسعى للمحافظة على جودتها حتى في الغربة، رغم الضغط الكبير في رمضان بسبب الحاجة إلى تسليم الطلبات في وقت قصير. وتتراوح أسعار الوجبات لديه بين 150 جنيهًا للنفر الواحد، وتصل إلى 2200 جنيهًا لمناسف الولائم الكبيرة.
الزبائن: المغتربون والطلاب في مقدمة المستفيدين
لا يقتصر الإقبال على المأكولات السورية في رمضان على الجالية السورية فقط، بل يمتد ليشمل المصريين والطلاب العرب المقيمين, الذين باتوا يفضلون الأطباق السورية لمذاقها وجودتها.
رشاد محمد، طالب أردني يدرس في القاهرة، يروي تجربته قائلاً: “خلال فترات الامتحانات في رمضان، يكون من الصعب تحضير الطعام، ولذلك وجدنا ضالتنا عند إحدى السيدات السوريات التي تعد وجبات منزلية، مما منحنا شعورًا وكأننا نصوم بين أهلنا في الأردن نظراً لتقارب المطبخين وتشابه الأكلات”.
وأضاف: “اعتدنا على طلب الوجبات السريعة خلال أول فترة من قدومنا إلى مصر, ثم وجدنا بعض المطاعم التي تقدم وجبات الطبيخ الشعبية لكن أسعارها مرتفعة جداً, قبل أن نعلم بوجود مثل هذه الوجبات المنزلية الصحية والتي بمقدورنا تحمل تكاليفها”.
أما أمينة، وهي سيدة سورية تعمل في مدرسة، فتوضح أن اللجوء إلى خدمات الطبخ المنزلي يساعدها في التوفيق بين العمل ورعاية عائلتها، قائلة: “كوني أمًا عاملة، فإن الاعتماد على هذه الخدمة يوفر لي وقتًا ثمينًا، كما أن الأسعار مناسبة جدًا مقارنة بتكلفة إعداد الطعام في المنزل”.
ما هي أبرز العقبات التي تواجه مشاريع الطعام المنزلي
رغم نجاح هذه المشاريع، إلا أن أصحابها يواجهون العديد من التحديات. مرح تعاني من مشكلات في التوصيل، حيث لم تتمكن من العثور على عمال ملتزمين يعملون بضمير مما يضطر بعض الزبائن إلى استلام الطلبات بأنفسهم لضمان وصولها في الوقت المحدد.
أما أحلام، فتواجه صعوبة في تأمين المال اللازم لتحضير الوجبات مسبقًا. وتوضح: “المونة موسمية، فمثلًا الفول والبازلاء لا يمكن تأجيل تحضيرها بعد رمضان، لأنها ستكون قد انتهت وبدأ موسم جديد”. وتعاني أيضًا من مشكلات صحية مثل التهاب الأعصاب نتيجة الضغط الكبير خلال هذا الشهر..
ساهمت المأكولات السورية في إثراء المشهد الغذائي في مصر، حيث باتت جزءًا من العادات الغذائية لبعض المصريين والجاليات العربية المقيمة هناك. ومع استمرار نجاح مشاريع الطهي السوري، يبقى رمضان موسمًا استثنائيًا يحمل معه فرصًا كبيرة رغم الصعوبات التي يواجهها العاملون في هذا القطاع. ومع تزايد الاعتماد على الطعام الجاهز خلال الشهر الفضيل، يبدو أن هذه الصناعة ستظل مزدهرة، حاملة معها نكهة الوطن لكل من يحن إليه.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية