جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يودعن خير الشهور كما استقبلنه، ببشرى وزينة وبهجة، ويتحضرن لاستقبال ضيف آخر يشغل الاستعداد له عشرهن الأخير من رمضان: عيد الفطر المبارك.
في هذا الوقت، تتحمل الأم عبئاً ثقيلاً، حيث تتوزع مهامها بين تجهيزات العيد، من تنظيف وتسوق وتلبية احتياجات صغارها، إلى تحضير الحلويات التي ترسم شكل العيد في بلادنا.
ورغم كل ذلك، تبقى الأم السورية محافظة على طقوسها وسفرتها الرمضانية، التي تتضاءل أحياناً في بعض الأيام بسبب ضغوط التحضيرات، إلا أنها تعود لتضيء لياليهن الأخيرة بحماسٍ، مودّعات الشهر الكريم ومترقبات لقاءه مجدداً برفقة عائلاتهن.
مثلاً، تتحدث بابل من مدينة حلب، (25 عاماً)، عن أيام العشر الأخير من رمضان، والتي قدّمت فيها والدتها موائد رمضانية مجهزة كالعادة بأصناف المقبلات مع وجبة رئيسية، فيما أطلقت على أيام أخرى “تمشاية حال”، في إشارة إلى مائدة تتضمن بواقٍ من أطعمة مع مقبلات خفيفة، وذلك لانشغالها، كغيرها من الأمهات، بالاستعداد للعيد.
رائحة العيد
بخليط بين الطحين والسميد الناعم “فرخة”، بطحين سادة أو سميد فقط، معجون بماء الزهر أم بماء الورد، بالسمن البلدي أم النباتي، بالشومر واليانسون والمحلب أم بدونها، يخرج المعمول أو الكليجة أو الكرابيج أو الكعك أو الأقراص. لا فرق، فالنتيجة عند السوري هي الإحساس بعبق تلك الرائحة، رائحة العيد، رائحة العائلة ولمتها، التي تملأ الشوارع وتنبعث من البيوت والأفران.
تقول أم بابل، (52 عاماً)، “استوقفتني إحدى الجارات ليلة الأمس عند مدخل البناء، لتعبر لي عن إعجابها برائحة الكعك المنبعثة من بيتي. سررت كثيراً، وانتابني حنين لأيام كانت تجتمع فيها العائلات السورية لتحضير حلويات العيد.”
وفي حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، تضيف أم بابل “كنا نجتمع في منزل أمي ونجهز المعمول بكميات كبيرة على مدار ثلاث ليالٍ، في أجواء تملؤها البهجة والسعادة وأصوات الفرح والضحكات.”
وبحسب أم بابل، فإنها اليوم كغيرها من النساء، تحاول إحياء هذا الطقس ليحافظن عليه ويعلمنه أولادهن، وخاصة بعد سنوات الشتات الطويلة التي عاشتها العائلة السورية، وتؤكد “عوّدتنا عليه أمهاتنا، ونعوّده نحن أولادنا”.
“عمو عمر” أوصل الحلويات إلى كل بيت
يقف العائق الاقتصادي أمام تمكّن بعض الأسر السورية من تجهيز حلويات العيد، حيث يلجأ البعض من الأهالي إلى العمل اليومي الشاق، بحسب أم أحمد، (49 عاماً)، من سكان بلدة شيزر في ريف حماة، ليتمكنوا من إدخال بهجة العيد على أطفالهم. فيحضرون لهم حلويات بأبسط الإمكانيات المتوفرة، ويتبضعون لهم من الأسواق الشعبية أو المستعملة التي تلبي حاجة تلك الطبقة.
في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، تقول أم أحمد “المهم في النهاية ألّا يكسر خاطر طفل، ويفرح كغيره من الأطفال ويشعر ببهجة العيد.”
وتضيف أم أحمد “تحضير الكعك في الأعياد هو طقس موسمي لابد منه، اعتدنا منذ سنوات طويلة على تحضيره بكميات كبيرة. أنا مثلاً حضرت عشرة كيلو من الطحين بين معمول وكعك وأقراص، سمعت عمّن حضر خمسة عشر أو عشرين كيلو طحين من الجوار. العائلات كبيرة هنا، والعيد يأتي مرة واحدة، وفرحتنا الأكبر في العيد هي عندما نشتم رائحة حلوياته.”
من جانبها، شرحت لنا أم بابل كيف ساهم أحد محال الحلويات في إدخال البهجة لشريحة واسعة من الحي، حين قدم عروضاً لحلويات العيد بأسعار تناسب الجميع.
توضح أم بابل “عمو عمر هو محل لبيع المثلجات والكرواسان في الصيف، ويقابلها الحليب واللبن في الشتاء، تفرغ لبيع المعروك طيلة شهر رمضان، بأسعار معقولة لبّت احتياجات الجميع.”
وبحسب أم بابل، فإن محل “عمو عمر” تفرغ أيضاً في الأسبوع الأخير لإنتاج حلويات العيد بأسعار يمكن من خلالها أن تصل إلى كل بيت، وخاصة في ظل غلاء أسعار المواد اللازمة لتحضير الحلويات في المنزل، وحتى أسعار الحلويات الجاهزة في محلات أخرى.
“بعد العيد مافي قراص”
مثل شعبي يتردد في مدينة حماة، للدلالة على أن جمال الأشياء مرهون بمواقيتها، تبدأ به الحاجة آمنة، (85 عاماً)، حديثها عند السؤال عن حلويات العيد.
ويرتبط المثل بأقراص العيد التي تختص بها المدينة، ليدل على أن بهجة تلك الأقراص مرهونة بوقت العيد. تقول الحاجة آمنة بلهجتها: “كل شي بوقته حلو، والقراص وقتها بالعيد. إذا ما شمينا ريحة القراص ما منشم ريحة العيد.”
الأقراص هي أحد أشهر أنواع حلويات العيد في مدينتي حمص وحماة في وسط سوريا، وهي عبارة عن خليط من الطحين والسمن البلدي والسكر، إضافة للمحلب فقط كنوع من المطيبات، وتكون على شكل أقراص رقيقة دائرية الشكل.
عند زيارة الحاجة آمنة، كانت تجهز برفقة ابنتها خمس كيلوات من الطحين، كما اعتادت دائماً تحسباً لقدوم أولادها وأحفادها وكل محبيها من الأصدقاء والجوار.
هنا فلسطين
لطالما تمسك فلسطينيو سوريا بتراثهم وتغنوا به، ومثّلوه في كل المحافل والمناسبات، وعلى هذا، فليس بالغريب في سوريا، وأينما حلت عائلة فلسطينية، أن تفوح رائحة “المقروطة” و”الكعك الفلسطيني” كحلويات تمسكوا بتحضيرها في الأعياد حيث وجدوا، ناقلين معهم فلسطينهم وفلسطينيتهم “هوية يعتزون بها”.
والكعك الفلسطيني هو مزيج من زيت الزيتون “رمز الفلسطينيين” مع الطحين والبهارات الخاصة به من شومر ويانسون وجوزة الطيب والمحلب والسمسم وحبة البركة، والأهم هو اللون الأصفر.
وتقول الحاجة هناء، (70 عاماً)، إن “أصل الكعك الفلسطيني بزيت الزيتون، لكن اليوم بات الكثير منا يحضره بالسمن البلدي، ويحشى بالتمر أحياناً فيصبح ‘المقروطة’.”
وفي حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، تضيف الحاجة هناء “يمكن أن نعدّ بعض الأصناف الأخرى الخاصة بالعيد من معمول وبرازق وغيرها، إلا أنه لا بد لكل بيت فلسطيني من تحضير الكعك الخاص بنا الذي نعتبره كفلسطينيين بمثابة ‘نحن موجودون’.”
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية