جدول المحتويات
«نبض الخليج»
عادت قضية ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان إلى الواجهة، مدفوعة بوساطة سعودية مباشرة، ومحاطة بتعقيدات أمنية وسياسية فرضتها ميليشيا “حزب الله” وتدخلات إيرانية طويلة الأمد، في وقت تبدو فيه دمشق وبيروت أمام فرصة نادرة لحلّ ملف ظلّ مجمّداً منذ عقود.
الرياض: الأمن العربي أولا
دفعت السعودية بجهود دبلوماسية متقدمة، فعقدت في 27 آذار اجتماعاً ثلاثياً في الرياض جمع وزراء دفاعها مع نظرائهم من سوريا ولبنان. ناقش الاجتماع سبل تعزيز الأمن المشترك، وركّز على ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين.
الاتفاق الذي خرج به الاجتماع نصّ على تشكيل لجان قانونية ومتخصصة، وتفعيل آليات تنسيق أمني وعسكري للتعامل مع التحديات، خاصة ما قد يطرأ على الحدود المشتركة. كما اتفق المجتمعون على عقد اجتماع متابعة في المملكة خلال الفترة المقبلة.
الخطوة السعودية جاءت بعد تصريحات من الرئيس اللبناني جوزيف عون، أكد فيها أن بلاده تعمل على فتح قنوات مباشرة مع سوريا، عبر لجان مشتركة لترسيم الحدود وتأمين عودة اللاجئين السوريين.
وناقش عون ملف الحدود مجدداً خلال زيارته إلى فرنسا، في قمة ضمّت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس السوري أحمد الشرع ورئيسي قبرص واليونان عبر “الزوم”.
وقالت الرئاسة السورية إن القمة ركّزت على أمن الحدود والمخاطر المشتركة في المنطقة، ووصفت ميليشيا “حزب الله” والنزاعات الحدودية بالتحديات التي تتطلب تعاوناً إقليمياً.
وأوضح الرئيس السوري أحمد الشرع أن الجنوب السوري يواجه تهديدات أمنية مستمرة، أبرزها الوجود الإسرائيلي، بينما شدد عون على ضرورة تعزيز التنسيق الأمني بين بيروت ودمشق. وأكدت اليونان وقبرص دعم جهود سوريا في مكافحة الإرهاب الحدودي.
دور سعودي وأممي
سلّط مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، الضوء على التوتر الحدودي خلال جلسة لمجلس الأمن، وعبّر عن قلقه بعد قيام “حزب الله” باختطاف ثلاثة جنود سوريين وإعدامهم. وأشار إلى أن الجيش السوري رد بإطلاق النار على مصدر الاعتداء، مؤكداً أهمية احتواء التصعيد وتعزيز الحوار بين الجانبين.
من جهتها، دانت الولايات المتحدة عبر مندوبتها دوروثي شيا، ممارسات “حزب الله” وداعميه في إيران، واعتبرتها سبباً في زعزعة الاستقرار الحدودي. ودعت دمشق وبيروت إلى تنسيق عملياتهما العسكرية، بما لا يسمح للميليشيات المدعومة من إيران بإعادة التموضع قرب الحدود.
وقال اللواء السعودي المتقاعد عبد الله القحطاني لموقع تلفزيون سوريا إن وساطة الرياض تأتي من منطلق دورها العربي والإسلامي في ضمان الأمن الإقليمي، مؤكداً أن النظام المخلوع لم يعترف سابقاً باستقلال لبنان. واعتبر القحطاني أن الفرصة سانحة اليوم لترسيم الحدود، ومنع تهريب “الكبتاغون”، وإعادة العلاقات إلى مسار طبيعي يخدم البلدين والمنطقة.
وأشار إلى أن “حزب الله” عدو للشعب السوري، ولا مكان له في سوريا الجديدة، مضيفاً أن الدولة اللبنانية تسير بخطى ثابتة نحو التخلص من سيطرة الميليشيا، ولن تستعيد سيادتها دون ضبط الحدود.
اتهامات لبنانية لـ”حزب الله”
قال المحامي اللبناني طارق شندب إن ميليشيا “حزب الله” استغلت الأراضي السورية لتصنيع “الكبتاغون” وشن عمليات تهريب، كما دعمت محاولة انقلاب في الساحل السوري. وأكد أن سوريا تعمل على استئصال وجود هذه المجموعات، وأن هناك رغبة واضحة في أن يملك الجيش اللبناني القدرة على مواجهتها.
واعتبر أن السعودية وفرنسا تتكاملان في هذا الملف، وأن التقارب السوري اللبناني سيخدم استقرار المنطقة، خصوصاً مع تراجع الهيمنة الإيرانية.
تمتد الحدود البرية بين سوريا ولبنان على مسافة 375 كيلومتراً، ولم تخضع لأي ترسيم رسمي منذ الاستقلال. وتنتشر على جانبيها عشائر مرتبطة بـ”حزب الله” تدير معابر تهريب غير شرعية، وتُظهر الوقائع وجود نقاط لبنانية داخل الأراضي السورية، مثل قرية الطفيل في القلمون.
تجاهل نظام الأسد المخلوع محاولات الترسيم لسنوات، وبلغ التوتر البحري ذروته عام 2021 حين منح النظام ترخيصاً لشركة روسية للتنقيب في “البلوك 1″، المتداخل مع المنطقة البحرية اللبنانية بنحو 750 كيلومتراً.
وأكدت بيروت أنها أرسلت أكثر من 20 طلباً رسمياً إلى دمشق بين عامي 2010 و2017، دون تلقي رد.
مزارع شبعا.. عقدة ثلاثية وفرضة للتسوية
تشمل الخلافات الحدودية البر أيضاً، خاصة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، حيث أصر النظام المخلوع على أن هذه المناطق سورية، كما صرح بشار الأسد خلال لقائه مع المبعوث الأميركي السابق فريدريك هوف عام 2011.
يتناقض هذا الموقف مع رواية “حزب الله” الذي يستخدم هذه المناطق، الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، ذريعة للاحتفاظ بسلاحه منذ عام 2000، خارج سلطة الدولة اللبنانية.
أشار هوف إلى أن معظم الخرائط، بما فيها واحدة على العملة اللبنانية، تُظهر أن شبعا تقع خارج الحدود اللبنانية، وكانت خاضعة لسيطرة سوريا قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967.
تمنح المتغيرات السياسية الأخيرة، بما في ذلك تقليص نفوذ “حزب الله” في لبنان وتغير المعادلات في سوريا، فرصة نادرة للتوصل إلى اتفاق دائم لترسيم الحدود. ويُعد هذا الترسيم ضرورة لضبط الحدود، وإنهاء فوضى المعابر غير الشرعية، وتأمين عودة اللاجئين، وفتح باب التعاون الاقتصادي بين بلدين يخرجان تدريجياً من عباءة إيران.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية