«نبض الخليج»
“مفاتن الحداثة وخبايا اللغة” كتاب صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لمؤلفه عبد السلام المسدي. وتركّز فصوله الاثنا عشر على مناقشة أفضلية اللغة العربية، وتأثير الحداثة في هويتها، والحدّ الحداثي الفاصل بين الأدب والنقد. وجاء الكتاب في 296 صفحة.
هل اللغة العربيّة هي أفضل اللغات؟
عنوان الفصل الأوّل “هل اللغة العربية هي أفضل اللغات؟” يبدو سؤالًا غريبًا، فالإجابة عنه معيار يفصل بين القناعات الثقافية والقناعات العلمية، أو بين الأحاسيس الظنّيّة والمسلّمات اليقينية، أو بين الحُكم الانطباعي والحُكم العقلاني.
يحاور المسدي قارئه في عملية استدراج وإرشاد ليبلغ الإجابة الأمثل عن هذا السؤال المريب. فينبّهه إلى أنّ السؤال كما ورد يحتوي، بالدلالة الجدليّة، صيغة تحاصر المسؤول بين أحد جوابين، إمّا “نعم” وإمّا “لا”، وكلتاهما معًا لا تفيان باحتمالٍ آخر وارد، ألا وهو انتفاء التفاضل أصلًا، بأن اللغة ليست قيمةً في حدّ ذاتها بل قيمتها في ما ترمز إليه من الدّلالات، وفي هذا الحدّ يتحتّم الإقرار بأن اللغة، أيًّا كانت، لا تحمل من قيمة إلّا بما تدلّ عليه. ويخلص عبر سجال منطقي إلى أنه ليس لأيّ لغة من فضل على أيّ لغة أخرى، فاللغات براء من صراع التفاضل، والذي التبس عليه أمر اللغة بأمر الناطقين بها، أو تعذّر عليه التفريق بين اللغة وما جاء مكتوبًا بها، فقد يقول إن اللغة العربية تستمدّ فضلها من انصهارها في الكتاب المقدّس (القرآن)، وله أن يقول إنّ اللغة العربيّة هي أفضل اللغات بالاكتساب لا بالمنشإ، ولكنْ، لِيَعلَم أنه قد قدّم إجابة “ثقافية” ولم يقدّم إجابة “علمية”.
ما الحداثة؟
على المنوال نفسه الذي عالج به المسدي سؤال أفضلية اللغة العربية، يشرك القارئ في مناقشة العديد من المفاهيم والأفكار على مدار فصول الكتاب. ويوجّهه في مسار البحث في تعريف الحداثة عبر تفكيك المفهوم وتقديم الأمثلة التبسيطية، ويعلن منذ البداية أنّ تعريفها من ذاك الذي يسمّى السهل الممتنع حتى ولو بدا في ظاهره مطواعًا ليّنًا، لا أحد يبوح بأنه غير قادر على تعريف الحداثة بما يكتنفها استعمالًا ودلالة. ويخلص في آخر المسار إلى أنّ الحداثة هي أن ترى في الأشياء ما لا يتنبّه إليه عامة الخلق، بل لك أن تقول إنّ الحداثة هي النفاذ إلى الزوايا الغائبة، فهي ألّا تنظر إلى ما ينظر إليه الناس، بل تنظر إلى الناس وهم ينظرون، الحداثة أن تجعل السؤال الذي طالعه “كيف؟” مطية للسؤال الذي نصّه “لماذا؟”، الحداثة أن تبدأ بالوصف ثم تبحث عن التعليل، وأن تجعل الأجوبة مطية لأسئلة جديدة.
يتابع المسدي في باقي فصول الكتاب إدراج مجموعة من المقالات والأوراق التي شارك بها في عدد من المحافل البحثية بداية بـ “مهرجان المتنبي” في بغداد عام 1977. وهي بحوث تقدّم ضربًا من “الشهادة الثقافية” على امتداد ما يقارب الخمسة عقود، وهذا كفيل بأن ينير مسار التطور المعرفي على أساس أنّ البحوث المقدّمة في المؤتمرات تمثّل مرآة لوعي الجماعة في زمنها أكثر من وعي الأفراد.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية