جدول المحتويات
«نبض الخليج»
بعد سنوات من التهجير القسري نتيجة الحملات العسكرية لنظام الأسد المخلوع، وسنوات من العيش تحت شوادر زرقاء، بدأت عشرات العائلات بالعودة إلى قراها وبلداتها في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي بعد سقوط النظام، ومع عودتهم يواجهون واقعاً قاسياً، حيث لا تزال آثار الحرب تخيّم على المنطقة.
في ظل غياب الخدمات الرئيسة وتدمير البنية التحتية التي تساعدهم على الاستقرار، تبرز مشكلة مياه الشرب كأحد أبرز القضايا التي تؤرق العائدين، نظراً لتدمير مضخات المياه نتيجة قصفها وتخريبها.
ومع ذلك، فإن هذه العودة تُعتبر فارقة بالنسبة للأهالي، لأنها من دون قصف المدافع والقذائف التي اعتادوا عليها لسنوات طويلة خلال فترة إقامتهم في قراهم وبلداتهم منذ بداية اندلاع الثورة.
سهل الغاب بالأرقام
يتمتع سهل الغاب بموقع جغرافي فريد، مما منحه مناخاً معتدلاً وتربةً خصبة جعلت منه مركزاً للزراعة منذ العصور الرومانية. يضم سهل الغاب 14 تجمعاً بشرياً رئيسياً، يعمل غالبية سكانها بالزراعة وتربية المواشي وبعض الحرف التقليدية.
وحول ماضي سهل الغاب وحاضره، تحدث فايز رياض لطوف، مدير منطقة سهل الغاب، لموقع تلفزيون سوريا عن أهمية سهل الغاب قائلاً: “سهل الغاب سهلٌ منبسطٌ خصب، وهو الريف الغربي لمحافظة حماة في منطقة وسطى من سوريا، بين جبال اللاذقية غرباً وجبل الزاوية شرقاً وجسر الشغور شمالاً ومصياف جنوباً. يمرّ فيه نهر العاصي، وقد كان قسم من سهل الغاب مستنقعًا تم تجفيفه. ويبلغ طول سهل الغاب 80 كم وعرضه بين 10 و15 كم، وعدد القرى في سهل الغاب أكثر من 120 قرية ومزرعة. ويتميز سهل الغاب بنسيج اجتماعي مكوّن من بدو وحضر، ومن مختلف الطوائف والأديان السورية. وبلغ عدد سكان سهل الغاب عام 2010 حوالي 325 ألف نسمة، وتخطّى في الوقت الحالي 500 ألف نسمة”.
وأضاف: “تعرضت قرى وبلدات سهل الغاب التي خرجت عن سيطرة النظام لقصف عنيف وممنهج بمختلف الأسلحة التقليدية والمحرّمة دولياً، ومنها البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، التي استهدفت المدنيين بشكل عشوائي ومرافق الحياة مثل المدارس والأفران والمستوصفات والمشافي والبنى التحتية.
وشكّل هذا القصف طوقاً نارياً حول هذه المنطقة، فصلها عن محيطها، وذلك لأن جميع الطرقات الرئيسية كانت مرصودة بنيران مدفعية النظام من مواقع تمركزه في قرى سهل الغاب الغربية المحاذية لجبال اللاذقية. أدى القصف المستمر والاستهدافات العشوائية للمدنيين إلى حركة نزوح بلغت مئة بالمئة من عدد السكان، ولم تبقَ إلا بعض العائلات المتفرقة في القرى المجاورة لجبل الزاوية.
بعد التحرير، حدثت عودة نسبية لبعض البلدات، أبرزها: قلعة المضيق، والشريعة، والجماسة، والتوينة، والعمقية، وزيزون، وقسطون، ولجأ الكثير من العائدين إلى بناء خيم نتيجة دمار منازلهم.
وتعاني كل قرى وبلدات سهل الغاب من واقع خدمي متردٍ، نتيجة خروج معظم البنى التحتية عن الخدمة، من آبار وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، وتدمير متعمد ووحشي لجميع مرافق الحياة في سهل الغاب.
عودة تدريجية للأهالي
لا يزال سهل الغاب يشهد يومياً عودة الأهالي إليه بشكل تدريجي، حيث بات يضم نسبةً من الأهالي لا بأس بها، والتي حدثنا عن توزّعها عبد الجبار لمحمد، المهندس الزراعي من قرية العمقية، قائلاً: “تشهد قرى سهل الغاب بالعموم حركات عودة مستمرة بشكل يومي، من مختلف المناطق السورية، ولا سيما مناطق الشمال السوري، حيث كانت تتمركز فيه النسبة الأكبر في مخيمات النزوح. ويمكن القول إن نسبة العائلات العائدة إلى سهل الغاب تُقسم كما يلي:
- مدينة قلعة المضيق في أقصى الجنوب من السهل، حيث بات فيها أكثر من 60 بالمئة من عدد سكانها سابقاً.
- قرية العمقية فيها نسبة 50 بالمئة من عدد السكان.
- قرية الحواش فيها 25 بالمئة من عدد السكان.
- قرية الزقوم فيها حوالي 10 بالمئة من عدد السكان.
- قرى قليدين وتل واسط والزيارة فيها 5 بالمئة من عدد السكان.
- منطقة محضر كفرنبودة فيها 2 بالمئة من عدد السكان.
قرى القاهرة والخربة والمنصورة وجسر بيت الراس لم تشهد أي عودة للأهالي حتى هذا الوقت. ويمكن القول إن جميعهم يعانون من صعوبات بالغة في تأمين مياه الشرب، نتيجة لتعطّل الآبار الرئيسية، وتدمير المضخات الأساسية والشبكات الفرعية للمنازل والتجمعات البشرية.
صعوبات تأمين المياه
“يا عمي، الحياة صعبة كثير والمياه قليلة، وهي أساس كل شيء”. بهذه العبارة، أبدى غزوان العبود، وهو أحد أبناء قرية العمقية، امتعاضه من الوضع الخدمي الحالي لكل العائدين مؤخراً إلى قراهم. وصار بين الحين والآخر يكرر جملته التي باتت طاغية على حديثه: “راحت السكرة واجت الفكر”.
حول طريقة الحصول على مياه الشرب، يقول العبود: “سابقاً، قبل النزوح، كان يوجد آبار عادية أو ارتوازية في كل منزل بسهل الغاب، ولكن مع سيطرة نظام الأسد المخلوع عليها، ردمها أو دمّرها بعد سرقة الغطاسات منها. نعم، يوجد مياه في قاع بعض تلك الآبار، ولكن كيف لنا الحصول عليها أو استجرارها؟ أصعب حلقات مسلسلنا اليومي هو تأمين كفايتنا من المياه، حيث نضطر للذهاب إلى أماكن بعيدة جغرافياً نوعاً ما للتزود بالمياه، سواء على رؤوسنا أو على الدواب. وفي أحسن الأحوال، نحمل جالونات المياه في سيارات بالأجرة لملئها والعودة بها”.
علي مرشاق من أبناء قرية الحواش، تحدث بدوره لموقع تلفزيون سوريا عن موضوع الحصول على مياه الشرب قائلاً: “كل صهريج سعة خمس براميل بسعر 125 ليرة تركية، الأمر الذي يُعدّ مكلفاً للغاية للغالبية الفقيرة من أبناء سهل الغاب، وخاصة في ظل الحاجة المتزايدة للمياه، حيث يعتمد أهالي السهل، كما يعلم الجميع، على تربية المواشي التي تحتاج هي الأخرى لمياه الشرب. وأنتم ترون شح الأمطار، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة”.
وأضاف مرشاق بقوله: “هناك بعض العائلات من ميسوري الحال جلبت مولدات بيتر التي تعمل على المازوت، وقاموا بتنزيل الأنابيب داخل الينابيع الرئيسية، كما في قرية العمقية وعين قليدين، اللتين تعتبران المزودين الرئيسيين للأهالي، وباتوا يبيعون المياه بأسعار متفاوتة”.
جهود حكومية ملحوظة
مع الواقع المرير والصعب الذي يعيشه الأهالي في سهل الغاب، وارتفاع مشكلة الحصول على مياه الشرب المتزايدة يومياً مع تزايد أعداد العائدين إليه، تنبّهت السلطات المحلية إلى ضرورة التدخل السريع لمعالجة تلك المشكلة عبر سلسلة من المشاريع والمقترحات، والتي تحدث عنها علي نمر سليمان، مدير وحدة مياه السقيلبية في المؤسسة العامة لمياه الشرب بمحافظة حماة، لموقع تلفزيون سوريا قائلاً: “تخدم الوحدة 70 تجمعاً سكنياً وتعيد تأهيل 50 تجمعاً آخر، وأن مضخات المحطات العاملة حالياً في وضع فني مقبول، بعضها بحاجة إلى الصيانة، وكذلك التمديدات والشبكات الفعالة حالياً تحتاج إلى صيانة، وقسم لا بأس به بحاجة إلى استبدال. أما مضخات وتمديدات المحطات غير الفعالة فهي مسروقة أو مخربة، ويبلغ عدد محطات الضخ المدمرة 23 محطة في مجال وحدة السقيلبية، تعرضت للتخريب والقصف والسرقة من قبل النظام البائد منذ بداية انطلاقة الثورة السورية، وعلى مدى 14 عاماً، حيث دُمّرت غرف الضخ بنسبة 70% وسُرقت التجهيزات الميكانيكية والكهربائية بالكامل”.
وأضاف: “تقوم المؤسسة بإجراء كشوفات دائمة إلى جميع القرى والبلدات العائدة من النزوح، وذلك لمعاينة الأضرار وتقييم الاحتياج المائي الكامل، ليُصار إلى إعداد الدراسة الفنية والكلفة التقديرية اللازمة لإعادة التأهيل، ليتم طرحها للمنظمات الدولية المانحة لمتابعة إجراءات التعاقد لتنفيذها. وتواجهنا صعوبات حالياً تتمثل في حجم العمل الكبير جداً مقارنة بالإمكانيات المادية المحدودة التي لا تلبي الحاجة بدون مساعدة المنظمات الدولية. ومن الصعوبات أيضاً قلة إمدادات المحروقات اللازمة لمحطات الضخ حالياً، وقلة عدد ساعات التزويد بالكهرباء، وهذه الصعوبات مؤقتة إن شاء الله. ومن أهم المتطلبات الملحة صيانة المضخات ومجموعات التوليد، وزيادة عدد ساعات التشغيل التي تعتمد على توفر مادة المازوت وساعات أكبر للتزود بالكهرباء”.
وعن الخطط والمشاريع الحالية والمستقبلية للنهوض بالواقع الخدمي من زاوية تأمين مياه الشرب، أوضح سليمان: “حالياً تم تقييم احتياج محطات العمقية التي تروي 3 تجمعات سكنية، وكذلك تقييم محطة قليدين التي تروي 14 تجمعاً سكنياً، ويجري العمل لتقييم محطات زيزون وقسطون والقرقور والزقوم، ليتم طرحها مع المنظمات قريباً إن شاء الله، والعمل جارٍ على بقية المحطات. أما بالنسبة للمشاريع، فقد قمنا بما يلي:
-
مشروع إعادة تأهيل شبكة منطقة الشريعة
-
مشروع إعادة تأهيل شبكة قلعة المضيق
-
مشروع إعادة تأهيل شبكات كفرنبودة والمغير والتوينة
-
مشروع تشغيل بئر البلدية في كرناز المتوقف على الطاقة الشمسية
-
مشروع تشغيل بئر كرناز الغربي على الطاقة الشمسية، الأمر الذي خفّض أدوار التقنين في كرناز وحسّن التزويد بمياه الشرب ليصبح يوماً كل ثلاثة أيام لكافة الأحياء
- إعادة تأهيل محطة ضخ الجرنية وتشغيلها على الطاقة الشمسية بعد أن كانت مدمرة بالكامل
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية