جدول المحتويات
«نبض الخليج»
تعتبر تكنولوجيا المعلومات أحد أبرز مجالات التطور في العصر الحديث، ومع ذلك، ظل وجود النساء في هذا المجال محدودًا في العديد من البلدان، بما في ذلك سوريا. وفي ظل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد من جراء النزاع المستمر، تمكنت العديد من النساء السوريات من كسر الحواجز المجتمعية والانخراط في هذا المجال المليء بالتحديات، مُثبتات أن التكنولوجيا ليست محجوزة للرجال فقط.
ومع تزايد دور تكنولوجيا المعلومات في تشكيل المجتمعات وتطوير الحلول المبتكرة، بات للنساء السوريات دور مهم في تعزيز هذا القطاع الذي أصبح لا غنى عنه. فبينما تواصل الحرب تداعياتها على العديد من القطاعات، هناك نساء سوريات يحققن نجاحات في عالم التكنولوجيا، سواء على صعيد الابتكار أو العمل في المناصب القيادية.
النساء السوريات في قطاع تكنولوجيا المعلومات
ليلى، (طلبت عدم ذكر اسمها كاملًا) مسؤولة قسم المعلوماتية في مكان عملها بدمشق، تتذكر جيدًا التحديات التي واجهتها منذ بداية مشوارها المهني في تكنولوجيا المعلومات، تقول لموقع تلفزيون سوريا: “عندما بدأت، كان الجميع ينظر إليّ كمغامِرة غير تقليدية”، مضيفة أن اختيارها لهذا المجال قوبل بالكثير من الدهشة وحتى الشكوك، وكأنها تخوض مغامرة غير محسوبة العواقب. “كانت تزعجني هذه القوالب الضيقة الموضوعة للنساء، بحيث إن عملي في هذا المجال كان يعتبر خروجًا عن المألوف”. لكنها رغم ذلك لم تستسلم، بل وجدت في كسر تلك القوالب مصدر فرح وفخر شخصي. “في مرات أخرى كان يغلب فرحي انزعاجي، لأنني أكسر هذا القالب بيدي!”.
منذ بدايتها، أرادت ليلى أن تخوض العمل بكل تفاصيله، من دون أي استثناءات أو تسهيلات خاصة لكونها امرأة. أصرت على أن تتعامل مع الكابلات بنفسها، أن تتلطخ يداها بالغبار، أن تشارك فعليًا في تركيب الأجهزة ومعالجة المشكلات التقنية كما يفعل أي تقني آخر. لم ترغب أن تكون مجرد “عنصر جمالي” أو وجه دعائي للمكان الذي تعمل فيه، بل أرادت أن تترك بصمتها في العمل التنفيذي والقرارات التقنية المهمة.
تروي ليلى كيف أن متعهد الورشات الذي كانت تتعامل معه لم يكن يمنحها المعلومات التقنية التفصيلية عن المنتجات، بينما كان يقدّمها بسهولة لأي رجل، حتى لو كان أقل منها خبرةً أو رتبةً وظيفية. “كان هناك افتراض مسبق بأنني أقل معرفة، فقط لأنني امرأة”، تقول مؤكدةً إن هذه الفكرة لم تكن استثناءً، بل كانت قاعدة غير معلنة في العديد من المواقف التي مرت بها خلال مسيرتها المهنية.
من جانبها، ميس عساف، وهي خريجة هندسة معلوماتية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتعمل كمبرمجة تطبيقات موبايل، تشارك تجربة مشابهة، تقول: “بحسب مكان عملي، من خمس سنوات إلى الآن، زاد عدد النساء، لكن مع ذلك يبقى عدد الرجال أكبر، وأماكن صنع القرار دائمًا يسيطر عليها الرجال”. تضيف أنه حتى في بيئة العمل، عندما يكون هناك تواصل مع العملاء، يتم اختيار رجل لهذه المهمة بشكل تلقائي، ربما لأن هناك ثقة أعلى في الرجال في هذا المجال. “يُفضّل الرجال غالبًا لهذا النوع من المهام، وقد يكون هذا ناتجًا عن قوالب نمطية راسخة في المجتمع”.
ورغم أنها لاحظت زيادة أعداد النساء في مجال التكنولوجيا، فإنها أكدت أن هذه الزيادة لم تؤثر بشكل كبير على الهيكلية القيادية في الشركات، حيث يبقى الرجال هم الأكثر سيطرة على صنع القرار، سواء في اختيار المهام أو في التعامل مع العملاء. “في بيئة عملنا، رغم أنني مبرمجة تطبيقات موبايل ولدي خبرة طويلة في المجال، فإنه عندما نكون بصدد اختيار مسؤوليات أو مهام مع العملاء، يتم ترشيح الرجال تلقائيًا، وكأن هناك قناعة ثابتة مفهومة ضمنيًا بأنهم الأقدر في هذا المجال”.
غياب النساء عن طلبات التوظيف.. معادلة غير عادلة
رغم دورها القيادي في قسم المعلوماتية، لاحظت ليلى ظاهرة تكررت مرارًا أثناء فحص طلبات التوظيف: الغالبية العظمى من المتقدمين كانوا رجالًا. لم يكن الأمر مجرد مصادفة، بل نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية جعلت من التكنولوجيا ميدانًا يعتقد بعضهم أنه غير مناسب للنساء.
أما أليسار الصايغ، وهي خريجة هندسة معلوماتية تعمل مديرة تطبيقات تقنية، فتؤكد أن التحيز لصالح الرجال ليس مقتصرًا على بيئات العمل فقط، بل يبدأ منذ الدراسة الجامعية. “في أيام الجامعة، كانت الثقة بالذكور أعلى، وكان هذا واضحًا جدًا وأثر علينا خلال الدراسة”، تقول أليسار. وتضيف أنها واجهت تحديات كبيرة في إثبات نفسها بعد التخرج، حيث اضطرت إلى بذل جهد مضاعف لإثبات كفاءتها. “في بداياتي، كان المدير دائمًا رجلًا، ولم تكن هناك أماكن قيادية للنساء، رغم أنني عملت مع شركات سورية وألمانية ولبنانية”.
تلاحظ “الصايغ” أنه رغم زيادة عدد النساء في مجالات التكنولوجيا، فإنهن ما زلن يواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى المناصب القيادية. على الرغم من أن أليسار نفسها تشغل الآن منصب مديرة تقنية في شركة، فإنها تشعر أحيانًا بأن الرجل دائمًا يُفضل أولًا في المناصب القيادية. “أنا مديرة تقنية الآن، لكن عندما نبحث عن موظفين جدد، أجد أن المدير العام يرتب مقابلات التوظيف للرجال أولًا”، تقول “الصايغ” لموقع تلفزيون سوريا. وتُضيف: “الأمر يتعلق بنظرة المجتمع التي ترى أن التكنولوجيا مرتبطة بالعقلانية البحتة، بينما يُنظر إلى النساء ككائنات عاطفية قد لا تكون قادرة على التعامل مع الأمور التقنية بالمستوى نفسه”.
التحديات الفكرية والاجتماعية: كيف يغير المجتمع رؤيته؟
تعتقد “الصايغ” أن السبب الرئيسي وراء هذه التحيّزات هو الاعتقاد السائد في المجتمع بأن التكنولوجيا تتطلب عقلًا مجرّدًا من العواطف، وهو ما يُعتبر صفة غير متوفرة في النساء. “المجتمع يرى أن النساء كائنات عاطفية فقط، لا يمكنهن التعامل بعقولهن في الأمور التقنية”، تقول أليسار، مضيفة أن بعضهم يتخيل أن المرأة ستبكي إذا توقف التطبيق عن العمل، بدلًا من البحث عن حل للمشكلة! “لكن الواقع يثبت عكس ذلك، فقد عملنا على تطبيق تقني تشغل النساء معظم المناصب المسؤولة عنه، حتى في الجوانب التسويقية، وهو تطبيق مستخدم في الإمارات وقطر وعُمان. الأمر يتعلق بالكفاءة وليس بالجندر”، تؤكد أليسار.
فرص العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات: النساء في الصفوف الأمامية
في السنوات الأخيرة، ارتفعت أعداد النساء السوريات اللواتي دخلن في مجالات تكنولوجيا المعلومات، بدءًا من البرمجة مرورًا بتحليل البيانات وصولًا إلى تطوير الأنظمة والأمن السيبراني. ومع ازدياد الاعتماد على الحلول الرقمية في المجتمع السوري، تتزايد الحاجة إلى كفاءات نسائية قادرة على تقديم حلول مبتكرة تعزز من فاعلية القطاع الرقمي.
قصص ليلى وميس وأليسار وغيرهن تثبت أن النساء السوريات لا يخضن فقط معركة لإثبات أنفسهن في مجال التكنولوجيا، بل أيضًا يسعين لتغيير التصورات النمطية عن دورهن وقدرتهن على المنافسة والإبداع في هذا المجال الحيوي. لكن التحديات ما زالت قائمة، والمجتمع بحاجة إلى تقبّل فكرة أن الكفاءة ليست مرتبطة بالجندر، بل بالقدرة على الإبداع والابتكار.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية