جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أطلقت إسرائيل موجة تصعيد جديدة ضد سوريا في 2 نيسان الجاري، وأسفر التصعيد عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية لمطار حماة العسكري، كما طالت الغارات مراكز للبحوث العلمية ومواقع عسكرية أخرى في ريف دمشق.
وجاءت الهجمات بعد أسابيع من كثافة الحديث في وسائل إعلام إسرائيلية عن مخاوف من تعاظم النفوذ التركي في سوريا، إثر تسريبات عن نية أنقرة توقيع اتفاقية مع الحكومة السورية لتأسيس مراكز تدريب وقواعد عسكرية.
يبحث هذا التقرير التحليلي في السياقات والدوافع التي دفعت تل أبيب إلى خوض موجة تصعيد جديدة في سوريا، هي الثانية بعد الهجمات التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية على مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة في اليوم التالي لهروب بشار الأسد من البلاد أواخر عام 2024.
مساعي إسرائيل لفرض هيمنة إقليمية
تسعى إسرائيل منذ مواجهات 7 تشرين الأول 2023 في غزة إلى فرض هيمنة إقليمية، وركّزت على إلحاق أضرار بالغة بالنفوذ الإيراني من خلال المواجهات المباشرة وغير المباشرة. ومع تراجع التهديد الإيراني، خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على طهران، تعمل تل أبيب على منع أي قوة إقليمية من ملء الفراغ الإيراني في المنطقة.
وتبدو إسرائيل قلقة من مؤشرات التنسيق المتزايد بين إدارة ترامب وأنقرة، إثر الاتصال الذي جمع الرئيسين ترامب وأردوغان، وما يتيحه هذا التقارب من تعاظم للدور التركي الإقليمي في العراق وسوريا والمنطقة، حيث تسعى أنقرة إلى قيادة تحالف يضم سوريا والأردن والعراق، وهو ما قد يتيح مستقبلاً لإدارة ترامب تقليص حجم قواتها في سوريا.
ومؤخراً، طلبت إسرائيل من الجيش المصري تفكيك البنية العسكرية في منطقة سيناء، في محاولة لفرض وقائع إقليمية جديدة لا تقتصر على سوريا فقط.
حاجة داخلية لنتنياهو
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية في أواخر آذار الماضي عن طلب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من مستشاريه تكثيف العمل الإعلامي للتحذير من خطر النفوذ التركي في سوريا.
ويأتي سلوك نتنياهو بالتزامن مع تهديد زعيم المعارضة يائير لابيد بإغلاق البلاد والتمرد على الحكومة في حال لم يلتزم نتنياهو بقرارات المحكمة العليا، التي طالبت بتعليق قرار إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار.
وجاءت إقالة بار بعد نشر نتائج تحقيقات الجهاز حول أحداث 7 أكتوبر 2023، والتي تضمنت تحميل المستوى السياسي مسؤولية الفشل، إلى جانب الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.
وتتزايد الاعتراضات داخل إسرائيل على ما يبدو أنه محاولة من نتنياهو للسيطرة على السلطات المختلفة، بعد إقالة بار والمستشارة القضائية للحكومة غالي ميارا، إلى جانب الانتقادات التي تواجهه بسبب ما يعتبره الإسرائيليون “تعريض حياة الأسرى في غزة للخطر”.
وفي أواخر آذار، مثل نتنياهو أمام المحكمة المركزية في تل أبيب بتهم تتعلق بالفساد وتلقي رشى، ضمن فضيحة تشير إليها المعارضة بأنها مرتبطة بتلقّي مكتبه أموالاً من مصادر خارجية.
قلق إسرائيلي من تراجع تأثيرها في المشهد السوري
بالنظر إلى توقيت التصعيد، يتضح أن إسرائيل تسعى إلى لعب دور فاعل في تشكيل المشهد السوري. فقد نُفذت حملة القصف الإسرائيلية في اليوم التالي لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في شباط، الذي أكد على وحدة الأراضي السورية واحتكار الدولة للسلاح، في تعارض واضح مع الرؤية الإسرائيلية الداعية إلى الفيدرالية وتعزيز دور الأقليات على حساب الدولة المركزية.
جاء التصعيد أيضاً بعد أيام من إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة في سوريا، وما رافق ذلك من ارتياح داخلي وترحيب دولي، شمل تأييد وزارة الخارجية الأميركية لسيطرة الحكومة السورية على كامل الأراضي.
تكرار الاعتداءات الإسرائيلية بعد محطات سياسية سورية مهمة يشير إلى رغبة إسرائيلية في تعطيل مسار الانتقال السياسي، ومنع قيام حوكمة ذات شرعية داخلية وقبول خارجي، وهو ما يبقي المجال مفتوحاً أمام تدخلاتها ومساعيها لفرض منطقة أمنية جنوب سوريا.
من جهة أخرى، فإن التفاهمات المتقدمة بين الحكومة السورية وقسد، والتي كان آخرها اتفاق على انسحاب عناصر قسد من أحياء في محافظة حلب، وما سبقه من اعتراف قسد بالحكومة السورية على أساس الحفاظ على وحدة البلاد، يشير إلى توافقات أوسع تشمل أنقرة وواشنطن، وهو عكس ما تريده إسرائيل التي كانت تسعى لبقاء القوات الأميركية ودعم مشروع “الإدارة الذاتية”.
وبناء على ذلك، فإن تل أبيب لا ترغب بأن تنفرد دول إقليمية مثل تركيا والسعودية بصياغة تفاهمات مع واشنطن لرسم مستقبل سوريا، وتستخدم في المقابل الضغط العسكري.
وبحسب ما تسرّب من معلومات، فقد وجهت تل أبيب رسائل إلى الحكومة السورية عبر قنوات غير مباشرة، تطالب فيها بتقليص دور أنقرة، إذ ترى إسرائيل في ذلك تهديداً لحرية تحرك طائراتها في الأجواء الإقليمية.
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة باتت تشكل تحدياً كبيراً للإدارة السورية الجديدة، إذ يبدو أنها أداة لفرض مسارات داخلية ورسم حدود لعلاقات سوريا الإقليمية والدولية.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية