جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يتصاعد القلق الإسرائيلي والأميركي بالتوازي مع تكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا، في وقت تتواتر فيه التسريبات حول اتفاق دفاعي مشترك بين دمشق وأنقرة، يتضمن إنشاء قواعد جوية تركية في وسط البلاد، الأمر الذي يشير إلى تحول استراتيجي محتمل قد يعيد خلط أوراق القوى الإقليمية في المشهد السوري.
تسعى أنقرة إلى ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في قلب سوريا، واضعة نفسها كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل البلاد، في توجه لا يثير قلق إسرائيل فحسب، بل يزيد من مخاوف واشنطن أيضاً، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب نتيجة تضارب مصالحهما في الإقليم.
وتخشى إسرائيل أن تُقدم تركيا على نشر منظومات دفاع جوي متقدمة في الشمال السوري، ما قد يقيّد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية التي اعتمدت عليها تل أبيب في تنفيذ ضربات متكررة ضد أهداف عسكرية داخل الأراضي السورية خلال الشهور الماضية.
لا مكان لجيش سوري
وفي الهدف الواضح، تواصل إسرائيل تكثيف ضرباتها داخل سوريا لتفكيك وتدمير ما تبقى من البنية التحتية العسكرية وتحويل البلاد إلى منطقة منزوعة السلاح، غير قادرة على تشكيل أي تهديد مستقبلي لأمنها القومي، خاصة بعد أن فقدت ضامن حدودها، الذي شغله نظام الأسد المخلوع لعقود طويلة.
ولا يستهدف القصف الإسرائيلي القدرات الحالية فقط، بل يحمل رسالة استراتيجية مفادها أن أي محاولة لبناء جيش سوري جديد يمتلك صواريخ أو منظومات دفاع جوي، لن تُسمح له بالبقاء.
حتى الأسلحة القديمة والمتهالكة لم تسلم من الاستهداف، في إشارة إلى تصميم تل أبيب على منع تشكل أي قوة عسكرية في المستقبل، والمحافظة على الحرية التي تتمتع فيها الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية.
وفي نطاق أوسع، تتجه إسرائيل إلى شلّ كامل للقدرات الجوية السورية، بما في ذلك تدمير منظومات الدفاع الجوي والمنشآت العسكرية ضمن دائرة يصل نصف قطرها إلى 200 كيلومتر من حدودها مع سوريا، وهي المناطق التي طالتها ضرباتها الأخيرة في شرق حمص وحماة.
وأكد ذلك مسؤولون إسرائيليون، في كانون الثاني الماضي، مشيرين إلى أن تل أبيب ستحتاج إلى الحفاظ على محيط عملياتي يبلغ طوله 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، فيما سيحافظ الجيش الإسرائيلي على وجود داخل الأراضي السورية لضمان عدم تمكن حلفاء النظام الجديد في دمشق من إطلاق الصواريخ باتجاه مرتفعات الجولان.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن المسؤولين تشديدهم على ضرورة وجود مجال نفوذ استخباراتي يمتد 60 كيلومتراً داخل سوريا، ويكون تحت سيطرة المخابرات الإسرائيلية، لمراقبة ومنع التهديدات المحتملة من التطور.
أنقرة تتحرك نحو قلب الصحراء السورية
من جانب آخر، يسعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى ترجمة الحضور العسكري لبلاده في سوريا إلى مكاسب سياسية ملموسة، عبر فرض واقع أمني جديد يمتد إلى عمق الجغرافيا السورية.
وتعكس المساعي التركية، التي تحظى بقبول الحكومة السورية الجديدة، رغبة أنقرة في لعب دور “الضامن الأمني” للإدارة الناشئة من خلال تقديم الدعم العسكري والتقني.
وسبق أن كشف موقع “ميدل إيست آي” أن أنقرة تدرس خيار نشر منظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400” مؤقتاً في مطار تدمر، لتأمين الأجواء ضمن جهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن القرار لا يزال قيد البحث ويتطلب موافقة موسكو قبل اعتماده نهائياً.
كما تخطط تركيا لنشر منظومة الدفاع الجوي “حصار” متوسطة المدى، محلية الصنع، بالتوازي مع محادثاتها المستمرة مع موسكو حول إمكانية نشر منظومة “S-400″، وهي خطوة من شأنها تعقيد المشهد العسكري أكثر.
وتتزامن هذه الخطوات مع مشروع تركي لإعادة تأهيل وتوسعة قاعدة T4 الجوية، إحدى أكبر القواعد العسكرية في سوريا، بهدف تحويلها إلى نقطة ارتكاز استراتيجية تحتوي على أنظمة دفاع جوي وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية.
وتكتسب القاعدة أهمية استراتيجية لوقوعها على بُعد نحو 225 كيلومتراً من الحدود التركية، في موقع يمكّن أنقرة من مراقبة المجال الجوي الممتد بين تركيا وإسرائيل، وبسط نفوذها في عمق البادية السورية، ما يمنحها هامشاً أوسع للمناورة عسكرياً جواً وبراً.
تهديد لإسرائيل ومخاوف للولايات المتحدة
ورداً على ذلك، صعّدت طائرات الاحتلال الإسرائيلي هجماتها على قاعدة T4، فنفذت غارتين خلال أسبوع واحد، مستهدفة مدارج الطيران ومرافق القيادة.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصدر أمني إسرائيلي أن الغارات تهدف إلى “منع أي تهديد جوي قد يقيّد حرية الحركة الجوية في الأجواء السورية”.
وأكد المسؤول الإسرائيلي أن هذه الهجمات تهدف إلى عرقلة خطط تركيا في نقل القوات والدفاعات الجوية إلى سوريا وتشغيل المنشآت العسكرية فيها، خاصة في ظل تقارير تحدثت عن رغبة أنقرة بتحويل المطار إلى منشأة لطائرات مسيرة، وربما نشر منظومات الدفاع الجوي “S-400” بشكل مؤقت في T4 أو مدينة تدمر.
وسبق ذلك أن صرح مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن إنشاء قاعدة جوية تركية في مطار تدمر قد يُفاقم التوترات الإقليمية ويزيد من خطر نشوب صراع مع إسرائيل.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تتصاعد فيه المخاوف الأميركية من تأثير منظومة “S-400” الروسية على حرية عمليات طائرات “التحالف الدولي” شرقي سوريا، حيث تنتشر قوات أميركية يبلغ تعدادها نحو 900 جندي بالتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية” لمحاربة ما تبقى من خلايا تنظيم “داعش”.
وتحذر تقارير غربية من أن أي احتكاك غير محسوب في هذه المنطقة المعقدة قد يؤدي إلى مواجهة إقليمية واسعة، خاصة مع التوتر المزمن بين أنقرة و”قسد”، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” المدرج على قائمتها للمنظمات الإرهابية.
هل تتكرر أزمة الـ F-35؟
يشكّل احتمال نشر منظومة “S-400” في سوريا فصلاً جديداً في الخلاف الأميركي التركي حول هذه المنظومة، إذ سبق أن أدّى شراؤها في عام 2019 إلى طرد أنقرة من برنامج طائرات “F-35″، بسبب مخاوف من تسرب بيانات حساسة إلى موسكو.
وكشفت المحادثات الأخيرة بين الرئيس التركي والأميركي أن أنقرة طرحت فكرة نقل منظومة S-400 الروسية إلى خارج حدودها، في مقابل رفع العقوبات المرتبطة بها عن برنامج طائرات “F-35”.
واليوم، يعيد الحديث عن نقل “S-400” إلى مطار T4 إحياء هذا الخلاف، مع احتمال تأثيره على محادثات رفع العقوبات الأميركية عن أنقرة.
ورغم تصريحات بعض المسؤولين الأتراك عن إمكانية تخزين المنظومة خارج البلاد كحل وسط، إلا أن نشرها داخل الأراضي السورية قد يُفسّر كاستفزاز مباشر لواشنطن وتحدٍّ واضح لمنظومتها الدفاعية في المنطقة.
ساحة اختبار لأنظمة الدفاع والطائرات التركية
تُعد منظومة “حصار” التركية حجر الزاوية في استراتيجية أنقرة لتوطين صناعتها الدفاعية، حيث يصل مدى هذه المنظمة إلى نحو 40 كيلومتراً وتعمل بتقنيات توجيه حراري وراداري، ما يجعلها فعالة ضد الطائرات المسيّرة والمقاتلات على ارتفاعات متوسطة.
أما منظومة “S-400” الروسية فتوفر قدرات تغطية جوية متقدمة، إذ تستطيع، بحسب تقارير متخصصة، رصد أهداف على مسافة 600 كيلومتر وتحييدها حتى مدى 400 كيلومتر، ومع ذلك، أُثيرت شكوك حول فعاليتها عقب فشلها في صد هجمات أوكرانية على مواقع روسية.
كما تسعى أنقرة لتوسيع حضورها الجوي عبر نشر طائرات “بيرقدار أكنجي” و”تاي أكسونغور”، القادرة على حمل ذخائر دقيقة والتشغيل لأكثر من 36 ساعة، ما يمنحها قدرة مستدامة على مراقبة واستهداف مناطق تمتد إلى عمق الشرق السوري، بما في ذلك دير الزور.
هل تدخل المنطقة في مواجهة ثلاثية؟
تمركز تركيا في مطار T4 قد يفتح الباب أمام تصادم محتمل بين ثلاث قوى رئيسية: تركيا، إسرائيل، والولايات المتحدة،
فالقاعدة التي تتحرك أنقرة نحوها تعد موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، إذ تمنح سيطرة على طرق التهريب والمجال الجوي، وتأتي في موقع وسطي بين قواعد “قسد” من جهة، والمناطق التي تستهدفها إسرائيل بانتظام في تدمر وحمص من جهة أخرى.
وتتزامن هذه التحركات مع محاولات واشنطن الحفاظ على توازن دقيق بين دعمها المستمر لـ”قسد”، وعلاقاتها المعقدة مع أنقرة، العضو المحوري في حلف “الناتو”، إلا أن تركيا تعتبر هذا الدعم تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ما يضع العلاقة الثلاثية على حافة اختبار جديد.
كما أن لدى الولايات المتحدة أولوياتها الخاصة في الدفاع الجوي في المنطقة، مع وجود بطاريات “باتريوت” في العراق وأنظمة “ثاد” في إسرائيل، لكن تركيز واشنطن لا يزال منصباً على احتواء إيران، وليس مواجهة تركيا.
إلا أن نشر منظومة الدفاع الروسية “S-400” في قاعدة T4 قد يتحول من ورقة ضغط إلى عبء استراتيجي، لا سيما إذا واصلت إسرائيل استهداف القاعدة، أو أثرت المنظومة سلباً على العمليات الجوية الأميركية ضمن “التحالف الدولي” ضد تنظيم “داعش”.
ومع ذلك، فإن أي تصعيد في بين القوى الثلاث في سوريا قد تعتبره الولايات المتحدة تعطيلاً للمهام ضد “داعش”، خاصة إذا أثارت ضربات إسرائيل رداً تركياً، مما يجر “الناتو” إلى مواجهة غير مرغوب فيها.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية