جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم يعرف السوريون الحوار السياسي واستخدام المناظرة للتعبير عن آرائهم في النقاش بالشأن العام قبل الثورة السورية، التي فتحت الباب واسعاً أمام حرية الرأي وتشكيل وعي سياسي وفكري وثقافي كانت تكلفته غالية جداً.
وبعد عام 2011 تعرف السوريون على العالم، مستكشفين أنه أكبر بكثير من مجرد وطن مغلق حشرهم المستبد في زواياه ومعتقلاته وتحت أرضه قبل أن يهدم مدنه فوق رؤوسهم، ورغم مأساتهم تمكنوا خلال 14 عاماً من اكتشاف إمكانياتهم وتحقيق نجاحات بارزة بمختلف المجالات.
بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 تاريخ سقوط النظام وتحرر السوريين من نير الاستعباد الجاثم على صدورهم منذ 54 عاماً، زادت نسب المبادرات المجتمعية والمدنية داخل وخارج سوريا للنهوض بالبلاد وإعادة إعمارها من جديد.
“مناظرات سوريا”
وجاءت مبادرة “مناظرات سوريا” كإحدى المبادرات المجتمعية التي تهدف لدعم الشباب وتعزيز ثقافة الحوار بدءاً من المراحل الدراسية الأخيرة، لإثراء روح النقد والتفكير والحوار والنقاش.
وقال حمزة السيوفي العضو المؤسس في “مناظرات سوريا”، بعد سنوات من التهميش، نشهد اليوم تعطشاً هائلاً لدى الشباب السوري للتعبير عن أفكارهم والمشاركة في نقاشات بناءة. لقد كان الشعب السوري دائماً معروفاً بذكائه وبلاغته واهتمامه بالمعرفة، ومع بزوغ فجر الحرية، أصبحت المناظرات منصة حقيقية تتيح لهم استثمار هذه المهارات في بيئة تفاعلية تحفّز التفكير النقدي وتعزز ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر”.
وأضاف السيوفي لموقع “تلفزيون سوريا” أن “ما نلمسه اليوم هو حماس كبير ورغبة صادقة لدى الشباب في تطوير أنفسهم أكاديمياً وفكرياً، والمساهمة في بناء مجتمع أكثر انفتاحاً وتماسكاً”، مؤكداً ان “المناظرة ليست مجرد أداة للخطابة، بل هي وسيلة لبناء قادة المستقبل، وهذا ما نراه يتحقق على أرض الواقع”.
وفي آذار/مارس الماضي، اختتمت “مناظرات سوريا” برنامجاً تدريبياً مكثفاً بعنوان “مدخل إلى فن المناظرة”، والذي أقيم عن بُعد في الفترة من 11 إلى 14 آذار/ مارس، بمشاركة أكثر من 350 شاباً وشابة من مختلف المناطق السورية.
وقد ركّز البرنامج على تزويد المشاركين بأساسيات المناظرة، وبناء الحجج وتفنيدها، وأدوار المتحدثين، وذلك كله حسب المناهج التدريبية المعتمدة في مركز مناظرات قطر.
وفي هذا السياق، أكد مركز مناظرات قطر أن هذه المبادرة تأتي ضمن رؤية شاملة تسعى إلى تعزيز ثقافة الحوار في سوريا من خلال سلسلة من البرامج القادمة، التي تشمل أكاديميات التحكيم، والبطولات الوطنية، والبرامج التدريبية النوعية، والتي ستسهم في صقل مهارات الشباب ورفع مستوى التنافسية في مجال المناظرات.
كما أعلنت مناظرات سوريا عن تنظيم “بطولة سوريا لمناظرات المدارس باللغة العربية” خلال الأسبوع الثاني من شهر نيسان/ أبريل، وذلك بالشراكة مع مركز مناظرات قطر، وعلى غرار البطولات الوطنية في العديد من الدول التي تستعد لتجهيز منتخباتها للمنافسة في البطولة الدولية السابعة لمناظرات المدارس باللغة العربية، المزمع عقدها نهاية حزيران/يونيو بمشاركة فرق من مختلف أنحاء العالم.
نشر ثقافة المناظرة في سوريا
ومن أبرز التحديات التي تواجه فريق مناظرات سوريا، بحسب السيوفي، هو ضعف البنية التحتية للاتصالات، لا سيما شبكة الإنترنت، مما أثر على تواصلنا مع المتناظرين والمحكمين داخل سوريا. هذا التحدي التقني كان عائقاً -استطعنا تجاوزه بحمد الله- في تنظيم الفعاليات الإلكترونية والتدريبات عن بعد بكفاءة.
وأردف “نواجه تحدياً ثقافياً يتمثل في نشر ثقافة المناظرة على نطاق أوسع داخل المجتمع السوري، خاصة بعد عقود من غياب مساحات الحوار الحر والتفكير النقدي. نسعى إلى إعادة ترسيخ هذه الثقافة لتكون في متناول جميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم، لأننا نؤمن بأن حق المشاركة في النقاشات الفعالة وصقل مهارات التفكير النقدي يجب أن يكون متاحاً للجميع دون استثناء”.
وبخصوص المعايير التي تم اعتمادها لاختيار الفرق المشاركة في “بطولة سوريا لمناظرات المدارس”، بيّن السيوفي أن مناظرات سوريا تحرص على أن يكون الاختيار قائماً على معايير تضمن تكافؤ الفرص لجميع الطلاب السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم أو مناطقهم الجغرافية.
وأوضح أن البطولة ستشمل فرقاً من مختلف المحافظات، مع مراعاة تمثيل جميع الفئات لضمان التنوع والإنصاف. سيتم تقييم الفرق بناءً على أدائهم في البطولات التمهيدية، حيث نركز على مهارات التفكير النقدي، التحليل العميق، بناء الحجج المنطقية، والقدرة على التواصل الفعّال. كما نولي اهتماماً خاصاً للفرق التي تظهر روح التعاون والالتزام بتطوير مهاراتها”.
وأكّد كذلك على أن “الهدف الأساسي ليس فقط اختيار الأفضل، بل أيضاً إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الطلاب لخوض هذه التجربة الغنية التي ستساهم في بناء جيل قادر على النقاش الواعي واتخاذ القرارات المستنيرة”.
ما هي خطط “مناظرات سوريا” مستقبلاً؟
وعن الرؤية المستقبلية للمبادرة، قال حمزة السيوفي: “نحن نؤمن بأن نشر ثقافة المناظرة في سوريا يتطلب استراتيجية مستدامة تمتد إلى جميع المحافظات، ولهذا فإن رؤيتنا تتمثل في جعل (مناظرات سوريا) المظلة الرسمية للمناظرات في البلاد، بحيث توفر الدعم والتدريب والموارد لكل الفرق والمناظرين والمدربين في مختلف المناطق.
وتابع “نعمل على تدريب وتأهيل كوادر محلية في جميع المحافظات لضمان انتشار المناظرات على نطاق واسع، بحيث يصبح لكل منطقة فرق منظمة قادرة على إدارة البطولات والأنشطة بشكل مستقل، مع الحفاظ على معايير الجودة والاحترافية”.
وأكمل أيضاً “نفتخر بالشراكة الاستراتيجية مع مركز مناظرات قطر، والتي تمثل خطوة محورية في دعم وتطوير قدرات الشباب السوري في فن المناظرة. هذه الشراكة تتيح لنا الاستفادة من الخبرات العالمية لمركز مناظرات قطر في التدريب، وتأهيل المدربين، وتطوير البرامج التعليمية التي تتماشى مع احتياجات المجتمع السوري”.
إلى جانب ذلك، نسعى إلى إدماج المناظرات في المؤسسات التعليمية عبر التعاون مع المدارس والجامعات، بحيث تصبح جزءاً من الأنشطة الأكاديمية، مما يضمن استدامتها وانتقالها إلى الأجيال القادمة. كما نطمح إلى توسيع نطاق البطولات الوطنية، وإطلاق برامج تدريبية متخصصة للمعلمين والإداريين لدعمهم في تعزيز ثقافة الحوار داخل المؤسسات التعليمية، بحسب السيوفي.
وختم “نحن على يقين بأن الاستثمار في نشر ثقافة المناظرة اليوم سيساهم في بناء جيل من الشباب السوري الواعي، القادر على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستنيرة، مما يعزز مستقبلًا أكثر انفتاحاً وتماسكاً لسوريا”.
ماهي المناظرة؟
والمناظرة هي من فنون العرب القديمة، في الشعر وعلم الكلام والأصول والنحو وغير ذلك، ويمكن تعريفها بأنها نقاش رسمي منظم بين فريقين متعارضين حول قضية معينة، يُعرض فيها كل طرف حججه خلال وقت محدد، وغالباً ما تنتهي بتصويت يُرجِّح كفة أحد الطرفين.
يُعرف الفريق المؤيد بالقضية بفريق الموالاة، بينما يُعرف المعارض بفريق المعارضة. تُجرى المناظرات في مجالات متعددة مثل السياسة والتعليم والتقنية والفكر والثقافة، وتخضع لقواعد محددة رغم تنوع أساليبها، وغالباً ما تُناقش قضايا جدلية تجذب اهتمام الجمهور وتتيح أحياناً تفاعله المباشر.
في عام 2008، أخذت المناظرة شكلاً رسمياً، إثر تأسيس مركز “مناظرات قطر” التي سعت لنشر ثقافة المناظرة في قطر والعالم العربي بشكل عام، وبالفعل رعت “مناظرات قطر” العضو المؤسس في “مؤسسة قطر” عام 2011 البطولة الدولية الأولى لمناظرات الجامعات باللغة العربية، وفي عام 2012 نظمت البطولة الدولية الأولى لمناظرات المدارس باللغة العربية، وما زالت مستمرة في ذلك لإعداد مواطنين عالميين وبناء قادة الغد المثقفين، بما يساهم في قيادة روح الفكر وإطلاق النقاش المفتوح والحوار البناء في قطر والمنطقة العربية والعالم.
ولم تقتصر على المناظرات التنافسية في البطولات المحلية والإقليمية والدولية والبرامج التدريبية، إنما عملت خلال السنوات الأخيرة على تأسيس برامج أكاديمية وبحثية في الزمالات الجامعية والدراسات العليا والمؤتمرات الدولية، إلى جانب الحوار العام والتواصل من خلال برامج “واحة الحوار” و”أكاديمية النخبة” و”سفراء مناظرات قطر” و”منتدى الدوحة: النسخة الشبابية” وغير ذلك.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية