«نبض الخليج»
شهدت الأسابيع القليلة الماضية تضارباً بالتصريحات والمواقف من واشنطن تجاه الإدارة السورية. فبعد أيام من إعلان وزارة الخارجية الأميركية دعمها لسيطرة الدولة السورية على كامل الأراضي، في أعقاب الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تتابعت تسريبات تحدثت عن احتمال استقبال وزير الخارجية أسعد الشيباني في واشنطن. إلا أن هذا المسار اصطدم لاحقاً بإجراء مفاجئ تمثل في تغيير وضع إقامة البعثة الدبلوماسية السورية في نيويورك، حيث أصبحت تأشيرات أفرادها تُمنح ضمن الفئة المخصصة لمواطني الدول التي لا تعترف بها الولايات المتحدة كحكومات شرعية.
صحيح أن قرار تغيير طبيعة الإقامة للدبلوماسيين السوريين تم باقتراح من وزارة الأمن الداخلي الأميركية، لكن الموافقة عليه من قبل وزارة الخارجية، ثم تسريب الموضوع لوسائل الإعلام يعكس على الأرجح دلالات سياسية.
نظرة إدارة ترامب للملف السوري
وفقاً للمعلومات التي ترشح من دبلوماسيين على اتصال مع إدارة ترامب، فلا يوجد موقع حاسم ضمن الإدارة تجاه الملف السوري في ظل تباين الآراء بين الفريقين الأمني والسياسي، حيث يدعو الأول إلى التشدد مع الإدارة السورية، والثاني يدعم فكرة الانفتاح المشروط.
تتزايد المؤشرات التي تدل على أن إدارة ترمب تمضي قدماً في خططها لسحب القوات الأميركية من سوريا أو إعادة تمركزها على الأقل. ومن أبرز هذه الإشارات، التنازلات التي تقدمها “قسد” لصالح الحكومة السورية، سواء من خلال اعترافها بوحدة الأراضي السورية في الاتفاق الموقّع بين الجانبين في آذار الماضي، أو عبر استعدادها لتسليم إدارة المنشآت النفطية للسلطات السورية. وتُعزز هذه التوجهات معلومات متداولة في أوساط “قسد” عن إبلاغ قائد القيادة المركزية الأميركية لإقليم كردستان العراق بوجود خطط أميركية للانسحاب من سوريا.
وفيما يبدو فإن اهتمام إدارة ترمب في الملف السوري تنحصر بعدم عودة ظهور “تنظيم الدولة” (داعش)، وفي هذا السياق قد تترك المهمة لتحالف إقليمي يضمن تركيا والعراق والأردن ودولاً أخرى، بالإضافة إلى ضمان عدم استخدام إيران مجدداً للأراضي السورية من أجل تهديد أمن إسرائيل، وبالتالي فإن القيادة السياسية الأميركية تعطي رسائل إيجابية للإدارة السورية، لكنها تراقب مدى تحقيق الأهداف التي سبق ذكرها.
دعم تقاسم النفوذ في سوريا بين الفاعلين الدوليين
توحي مجريات الأحداث بأن إدارة ترامب قد تتجه أكثر لدعم تقاسم النفوذ في سوريا بين الفاعلين الدوليين في إطار سياسات أوسع تتعاطى مع الملف السوري على أنه ثانوي، وبالتالي يمكن استثماره بالقدر الذي يخدم سياسة إدارة ترامب الكلية على الساحة الدولية.
التقارير التي صدرت مؤخراً من واشنطن تؤكد أن إدارة ترامب لم تتطلب في اتصالاتها مع الإدارة السورية إنهاء نفوذ سوريا، في ظل وجود توجه لدى الإدارة للتغاضي عن هذا النفوذ، وربما الهدف من هذا ليس فقط مراعاة مصالح إسرائيل التي تسعى لإبقاء القواعد الروسية في سوريا، وإنما أيضاً منح مكاسب لموسكو من أجل تصحيح العلاقات بينها وبين واشنطن بعد التوتر الحاد الذي ساد في فترة إدارة بايدن، على أمل أن ينجح ترامب في تحييد روسيا عن دعم إيران في ظل توجهه إلى توجيه ضربات اقتصادية وعسكرية للنفوذ الإيراني في المنطقة، وإرغامها على توقيع اتفاق نووي جديد لكن بمحددات قاسية تشمل تقليص نفوذها الإقليمي ووقف دعمها للأذرع المسلحة، والتخلي عن البرنامج الصاروخي وتخصيب اليورانيوم.
من جهة أخرى، تسعى واشنطن فيما يبدو للموازنة بين حاجتها للتعاون مع تركيا لاعتبارات سياسية وأمنية، وبين مصالح إسرائيل التي تنظر بسلبية إلى الإدارة السورية الجديدة، وتتخوف من العلاقات المتقدمة بين أنقرة ودمشق.
من المحتمل أن تدعم إدارة ترامب نقاشات دولية تشارك فيها روسيا وتركيا وإسرائيل والسعودية من أجل تحديد معالم المرحلة الانتقالية في سوريا، بما يراعي مصالح الجميع، وبالوقت ذاته يضمن استدامة حالة الاستقرار وتجنب أي توترات إقليمية غير مرغوب فيها بالساحة الدولية، ويمكن أن تنعكس سلباً على سياسات إدارة ترامب.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية