جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في الوقت الذي تدور فيه النقاشات بين الأحزاب الألمانية الكبرى التي تتفاوض حالياً لتشكيل حكومة ائتلافية، حول تشديد سياسة اللجوء، ما تزال الكنائس تستقبل لاجئين لتوفير الحماية لهم من الترحيل، لكن مع تزايد الضغوط السياسية، يواجه هذا الإجراء الذي يعرف باسم “اللجوء الكنسي” خطر التوقف، رغم تمسك الكنائس به كواجب إنساني.
وخلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات البرلمانية، طالبت معظم الأحزاب الألمانية بزيادة عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، والآن، يناقش (الاتحاد المسيحي الذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) و(الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، خلال مفاوضاتهما الائتلافية، تشديد قوانين اللجوء.
في الوقت ذاته، يدعو رئيس المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BAMF)، هانز-إيكهارد زومر، إلى إلغاء حق اللجوء الفردي المعمول به حالياً، واستبداله بآلية جديدة تعتمد على استقبال اللاجئين عبر برامج إنسانية منظمة وخاضعة للرقابة.
كم عدد حالات اللجوء الكنسي في ألمانيا؟
في المقابل، تتخذ العديد من الكنائس مساراً مختلفاً، حيث تستقبل طالبي لجوء مرفوضين في حالات إنسانية خاصة ضمن ما يعرف باللجوء الكنسي، على أمل حمايتهم من الترحيل. ففي عام 2024، لجأ 26 لاجئاً بهذه الطريقة إلى كنائس في ولاية بادن-فورتمبيرغ، وعلى مستوى ألمانيا، بلغ عدد اللاجئين في اللجوء الكنسي 2386 شخصاً.
في بعض الحالات القليلة، يمكن للكنيسة أن تؤوي من رُفض طلب لجوئه إذا بات مهدداً بالترحيل، إذ يقيم هؤلاء تحت رعاية وحماية إحدى الأبرشيات، وهذا الإجراء المؤقت هدفه تفادي الترحيل، ويمتد لعدة أشهر في معظم الأحوال، غير أن المدة قد تتفاوت بحسب وضع الشخص.
ومنذ بدء تطبيق “اللجوء الكنسي” في ألمانيا، ظلت هذه القضية موضع نقاش داخل الكنائس، فيما أصبح التركيز منصباً في الغالب على إيواء اللاجئين الذين يواجهون خطر إعادتهم إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بعد أن كان الأمر في السابق يشمل حمايتهم من خطر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وهو الأمر الذي كان يتطلب بقاءهم داخل الكنائس لفترات طويلة.
من سوريا إلى ألمانيا مروراً ببلغاريا
تتذكر إليزابيث زيبرت (اسم مستعار)، وهي عضو مجلس كنيسة إنجيلية في إحدى بلدات ولاية بادن-فورتمبيرغ، أول لقاء لها مع اللاجئ السوري حسن الذي استقبلته كنيستهم. وتقول: “لقد تأثرت كثيراً من شدة الخوف في عيني هذا الشاب وهو يروي من أين أتى، وإلى أين قد يُجبر على العودة، فذلك الخوف لا يمكن تمثيله، بل كان حقيقياً”.
حسن، الذي فرّ من الحرب في سوريا، عاش بدايةً في لبنان، ثم شق طريقه إلى أوروبا، وبما أنه دخل الاتحاد الأوروبي أولاً عبر بلغاريا، كان عليه تقديم طلب اللجوء هناك، كما تنص عليه اتفاقية دبلن، لكنه لم يرد العودة إلى بلغاريا، لأن الظروف هناك، بحسب القسيسة آستريد مولر (اسم مستعار)، “كارثية، فقد تعرض لاجئون للتعذيب والسجن والضرب في الشوارع”، ولهذا، رفضت كنيسته فكرة ترحيله إلى هناك.
ويقول حسن لقناة “SWR” الألمانية، “كنت أخاف طوال الوقت، لا أستطيع النوم، ولا أرغب في فعل أي شيء، ومزاجي سيئ دائماً، ولكن عندما أتيت إلى هنا، شعرت بالسلام، كل شيء كان جيداً”. وبالرغم من أنه كان محصوراً داخل حرم الكنيسة، حيث لم يُسمح له بالمغادرة، إلا أن الدعم النفسي الذي تلقاه كان له أثر إيجابي كبير.
اضطر حسن للبقاء نحو ستة أشهر، وهي الفترة التي تنتهي بعدها صلاحية الترحيل وفق اتفاقية دبلن، (ويسميها السوريون مدة كسر البصمة)، وخلال هذه المدة، تكفلت الكنيسة بجميع احتياجاته، من شراء الطعام، إلى اللعب معه بالبلياردو وكرة الطاولة، ودعوته إلى فعاليات الكنيسة، وتشجيعه على فنجان قهوة، بل وتقديم دروس اللغة الألمانية له.
خلاف حول فعالية وجدوى اللجوء الكنسي
في عام 2015، اتفقت الكنائس مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين على السماح باستقبال لاجئين في حالات استثنائية إنسانية في إطار اللجوء الكنسي، على أن تُقدّم الكنائس ملفات لـ “الحالات الصعبة” تُعيد فيها السلطات النظر في طلب اللجوء. وإذا تم قبول الحالة، يمكن للاجئ مغادرة الكنيسة والبقاء في ألمانيا وهو ما يعرف بـ “حق التدخل الذاتي”. لكن في العام الماضي، لم يُمنح هذا الحق إلا في حالة واحدة فقط، من بين نحو 2400 حالة لجوء كنسي.
هذا الوضع يثير استياء الكنائس. يقول المحامي مانفريد فايدمان، الذي يقدم استشارات قانونية للكنائس الكاثوليكية والإنجيلية في بادن-فورتمبيرغ حول اللجوء الكنسي: “لا أظن أن هناك تعليمات رسمية بعدم منح حق التدخل الذاتي، لكن يبدو أن هناك رغبة سياسية لوقفه، ربما من خلال تقليص الموظفين المسؤولين عن دراسة هذه الحالات”.
هل يواجه اللجوء الكنسي خطر التوقف؟
المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين ينفي هذه الادعاءات مشيراً إلى أن قلة الحالات المقبولة تعود إلى أن “الحالات الإنسانية الصعبة يجري التعرف عليها مسبقاً ضمن إجراءات دبلن”. مضيفاً أن “معظم طلبات اللجوء الكنسي مبنية على افتراض وجود خلل منهجي في الدول الأوروبية الأخرى”.
ديتليند يوخيمس، الرئيسة الاتحادية لرابطة “اللجوء في الكنيسة”، ترى أن الأجواء باتت مشحونة. مشيرةً إلى أن رئيس المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BAMF)، هانز-إيكهارد زومر، يعارض بشكل واضح مبدأ اللجوء الكنسي.
وتضيف أنه “لم يعد هناك اجتماعات منتظمة، وأن الاستعداد للجلوس سورياً والرغبة في إيجاد حلول مشتركة تراجعت بشكل كبير، وأن الطرفين (الكنائس ومكتب الهجرة) يشعران بالإحباط والتوتر إلى حد ما عندما يتعلق الأمر باللجوء الكنسي”.
في عام 2015 اتفقت الكنائس والمكتب الاتحادي للهجرة على تنظيم مسألة اللجوء الكنسي بشكل رسمي، لكن هذا الاتفاق أصبح الآن مهدداً بالتوقف، حيث ينتقد مكتب الهجرة العدد الكبير من الحالات، خصوصاً أن العدد ارتفع من 300 حالة في 2020 إلى نحو 2400 حالة في عام 2024.
وترى ديتليند يوخيمس أن الرقم لا يُعتبر كبيراً مقارنة بـ 70 ألف حالة دبلن التي تُسجل سنوياً، بالإضافة إلى ذلك، هناك حالات متزايدة من اقتحام الكنائس لترحيل اللاجئين، ما يهدد مستقبل هذه الحماية. كما أن القوانين الأوروبية الجديدة قد تؤدي إلى تقلص عدد الكنائس التي تمنح اللجوء، إذ يُتوقع أن تمتد فترة التحويل (مدة كسر البصمة) من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، ما قد يجعل اللجوء الكنسي بلا جدوى.
“مستمرون في تقديم المساعدة”
رغم كل شيء، يظل المسؤولون عن اللجوء الكنسي في بادن-فورتمبيرغ متفائلين، بسبب قلة عدد الحالات في الولاية (26 فقط)، مقارنة بـ 289 حالة في ولاية بافاريا مثلاً. وتقول ديتمار أوبيرمان، المسؤولة عن الإبلاغ عن حالات اللجوء الكنسي في كنيسة ولاية فورتمبيرغ، لمكتب الهجرة، إن “عدد الحالات في الولاية قليل جداً، ما يجعل حالات الترحيل غير مرجحة.
أما الكنيسة التي استقبلت اللاجئ السوري حسن، فهي تتابع النقاشات السياسية المتعلقة باللجوء الكنسي بقلق، لكنها مصممة على مواصلة تقديم المساعدة. تقول القسيسة مولر التي تدير كنيسة إنجيلية: “بغض النظر عما يحدث حولنا، سنستمر في فعل ما نراه صواباً،ونحن نرى أن الوضع صعب، لكن إيماننا أيضاً عميق”.
وتعود تقاليد اللجوء في أماكن العبادة إلى العصور القديمة، حيث كان يُمنح الناس الحماية في الكنائس. وفي ألمانيا، بدأت أول حالة لجوء كنسي عام 1983، حين منحت كنيسة في برلين الحماية لطالب لجوء تركي يُدعى جمال كمال ألتون، بعد أن أقدم على الانتحار إثر رفض طلبه، ومنذ ذلك الحين، أصبح هدف الكنائس منع تكرار مثل هذه المآسي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية