جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يختصر الطريق من باب سريجة باتجاه الحريقة والحميدية جميع أسواق دمشق، فرغم اكتساح البسطات شوارع المدينة، إلا أن شهرة هذه الأمكنة وأصالتها لم ينل منها الاستيراد وافتتاح الأسواق الجديدة في باقي أرجاء العاصمة.
يقول اللحام أبو محمد “إذا كنت تريد اكتشاف أحوال الناس في البيع والشراء، عليك سبر هذه المنطقة من الغرب باتجاه الشرق”.
نسأله عن الأسعار وأحوال الزبائن بعد انتصار الثورة، هل اختلف شيء؟ فيجيب “إنها الراحة النفسية، أهم شيء على الإطلاق. الزبائن والباعة، وجميع الناس، مرتاحون نفسياً، حتى لو كانت الصعوبات الاقتصادية كثيرة”.
انخفضت الأسعار بحكم انخفاض سعر الدولار، لكن أشهر بائع زيتون في باب سريجة يقول إن المشكلة في عدم توفر المال بين أيدي الناس، فالرواتب ما زالت ضعيفة، كما أنهم يتأخرون في تقبيض الموظفين، والمتقاعدين منهم بشكل خاص.
ولا يخفي بائع الزيتون، كما أحببنا أن نقدمه، سعادته بسقوط النظام، لكنه يرى أن الحالة المعيشية للناس ما زالت متردية، ويقول إنه “يمكنك معرفة ذلك من حجم المشتريات التي يحملها المتبضعون. ربما نحتاج وقتاً طويلاً لنشعر بالتعافي”.
صور
“شوربة العظام”.. الصورة تتكلم
لا يُفاجأ العابر في سوق باب سريجة ببسطة بائع العظام، فالسوريون معروفون بالمكابدة من أجل لقمة العيش، واختراع سبل القبض عليها.
يؤكد أبو ياسر أن “شوربة العظام”، ومعها وجبة من عدة أعصاب تُسلق جيداً، كفيلة بتخليص المرء من ألم الظهر والمفاصل. وعندما نسأله عن العبارات التي ينادي بها لجذب الزبائن، يقول إنه “لا أنادي مثل بقية الباعة، فالصورة هنا تتكلم، والجميع يعرفون فوائد هذه العظام والأعصاب التي أبيعها. إنها دواء لكل الأمراض”.
تكتسح الأسواق السورية اليوم بضاعة لم تكن مألوفة سابقاً، في مقدمتها المعلبات المستوردة من الدول العربية والأجنبية، إلى جانب الأواني المنزلية والكهربائية، وجميع أنواع الشوكولا والبسكوت والشيبس.
وتبدو حيرة المستهلكين واضحة في الاختيار بين المعلبات المغربية والإماراتية والتركية والعراقية، خاصة عندما يتقارب السعر بينها.
“نقي واستحلي”
يشرح لنا سامر لماذا تنتشر بسطات الأواني الزجاجية كثيراً في شوارع دمشق، ويقول إن النظام كان يمنع استيراد هذه البضاعة، لكننا اليوم نجد أواني الزجاج الإيراني والإماراتي والفرنسي والتركي، “نقي واستحلي”، وفق قوله.
إلا أن كثرة البسطات تتسبب بخلافات بين أصحاب المحلات والباعة الجدد، الذين يستولون على الأرصفة ويؤثرون على حركة البيع لديهم.
يعتقد سامر أن البائعين أصبحوا أكثر مرونة مع الزبون، ويضيف أنه “تشعر اليوم أن الزبون اختلف في تعامله أيضاً، فغالباً ما يدعو للبائع بالتوفيق، حتى لو لم يشترِ شيئاً، ويزين كلامه بالآيات القرآنية والصلاة على النبي”.
صور
سائحون وثورة ومكافحة
السائحون المحليون في باب سريجة كُثر، فالقادمون من المحافظات الأخرى يحرصون على التجول بهدوء، مصطحبين الكاميرا من مدخل السوق في شارع الإطفائية إلى نهايته مقابل مدحت باشا، وبعضهم يفضل الدخول إلى الحمام الدمشقي القديم الكائن وسط السوق، وآخرون يتابعون باتجاه مجمع الأسواق القديمة في نهاية الشارع.
لا تغيب أعلام الثورة عن البضاعة الجديدة، فربطات الشعر والشالات صارت تتزين بالعلم الجديد، إضافة إلى الأغنيات التي رافقت المظاهرات سنين طويلة، لكن أصحاب البسطات في سوق الحميدية ما زالوا يعانون من حملات المكافحة كالسابق، لأنهم يعيقون الحركة وينشرون بضاعتهم في منتصف الشارع.
يقول ثائر، وهو صاحب بسطة يهرب ببسطته من أمام الدورية، “يا أخي.. يتركوا العالم تسترزق”. نلتقط له صورة في أحد مداخل السوق قبل أن يحدثنا عن الأحوال “الفقراء أصحاب الإمكانات المحدودة يفتتحون بسطات، فالوضع الاقتصادي صعب، ولكن كلنا أمل بتحسن الاقتصاد في الفترة القادمة”.
سوق “جبر الخواطر”
خلال أربعة أشهر من سقوط النظام، اكتسى سوق الحميدية حلة جديدة، فإلى جانب الازدحام الكبير أمام بوظة “بكداش” الشهيرة، يشهد السوق تنوعاً كبيراً في الأقمشة والبضاعة نتيجة المستوردات الجديدة.
الإتاوات انتهى عهدها، كما يقول أنس بائع الأقمشة أنس، ويضيف أنه “المهم أن يرفعوا العقوبات الاقتصادية ويتحسن الوضع المعيشي”.
كثرة الموسيقيين في الأسواق أصبحت ظاهرة طبيعية في أسواق دمشق، خاصة في الحميدية والقباقبية، حيث يمكن للزائر الاستماع لأغنيات التراث، معزوفة على العود أو الناي أو “المجوز”.
يقول العازفون “اللي بيطلع من خاطركن”، فالناس هنا لا تبخل في “جبر الخواطر”، حتى لو كانت الحال “من بعضه”، كما يقول المثل الشعبي.
صور
“رم عظمك”
مقابل سوق الحميدية الشعبي، يبدو سوق الحريقة أقل ازدحاماً، نظراً لنوع البضاعة ونخبها الأول، لكن حركة الشاحنات النشطة، وهي تفرغ حمولتها من الصناديق، تؤكد أن هناك حركة في السوق.
في هذا المكان، هناك من يفضل الاستراحة في ساحة الحريقة هرباً من زحمة الحميدية، وبعضهم يتابع السير باتجاه باب الجامع الأموي، حيث لم تنجُ الساحة المواجهة من ازدحام البسطات وصراخ الباعة عبر مضخمات الصوت.
يقول لنا بائع العظام أبو ياسر “اشترِ كام كيلو عظام.. رمّ عضمك”، وتدفع هذه العبارة للتأمل طويلاً.. ترى، كم يحتاج هذا البلد المكسور من “شوربة العظام” التي يتحدث عنها أبو ياسر، حتى يرمم عظامه، وينهض من جديد؟
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية