«نبض الخليج»
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً تناول فيه عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى النشاط في سوريا، مستندة إلى بيانات صادرة عن الأمم المتحدة ومسؤولين أميركيين، تحدثت عن تصاعد في عدد الهجمات المنسوبة للتنظيم خلال عام 2024، مقارنة بالعام الذي سبقه. التقرير لفت إلى أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً أمنياً في ظل استمرار احتجاز الآلاف من عناصره وعائلاتهم في سجون ومخيمات شمال شرقي سوريا.
تناول التقرير محاولات التنظيم استغلال الظروف الأمنية المتغيرة في البلاد لإعادة تنظيم صفوفه، مع التركيز على دور السجون والمخيمات كمصدر قوة ودعاية للتنظيم. كما أشار إلى تحديات أمنية تواجه الأطراف المحلية والدولية المعنية بالملف السوري، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية، وسط استمرار الهجمات في مناطق البادية والتوترات المرتبطة بالتصعيد العسكري في الشمال السوري.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
ترجمة التقرير:
أظهر تنظيم الدولة بأنه عاود نشاطه في سوريا، وذلك عبر استقطاب المقاتلين وزيادة الهجمات، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة ومسؤولون أميركيون، وهذا ما يزيد من حالة التقلب في بلد ما يزال يعيش في حالة تأرجح منذ سقوط بشار الأسد.
غير أن قوة هذه الجماعة لم تصل لما كانت عليه قبل عقد من الزمان، عندما سيطرت على شرقي سوريا ومساحات شاسعة من شمالي العراق، ولكن ثمة خطر تمثله بنظر خبراء، وذلك لأن تنظيم الدولة لن يعدم وسيلة حتى يحرر الآلاف من مقاتليه الأشداء المحبوسين في سجون تحرسها قوات كردية سورية تدعمها الولايات المتحدة.
ثم إن احتمال عودة تنظيم الدولة إلى الظهور يقوض تلك الفرصة النادرة التي تلوح أمام سوريا والتي تمكنها إن استغلتها أن تنأى بنفسها عن وحشية الديكتاتورية، وفي حال عدم استغلال تلك الفرصة فإن وقع ذلك قد يكون أوسع، لأنه يمكن أن يتسبب بنشر حالة عدم الاستقرار في عموم الشرق الأوسط، إذ سبق لهذه الجماعة المتطرفة أن استخدمت سوريا كقاعدة للتخطيط لهجماتها على دول الجوار وكذلك لاستهداف أوروبا.
درة التاج والقنبلة الموقوتة
هنالك ما بين تسعة إلى عشرة آلاف مقاتل تابع لتنظيم الدولة ونحو أربعين ألفاً من أهاليهم محتجزين في شمال شرقي سوريا، لذا فإن احتمال هروبهم من هناك لا بد أن يضاعف أعداد تلك الجماعة ويسهم في الترويج لدعاية مضادة تخدم مصالح تنظيم الدولة.
وعن ذلك يقول كولين كلارك مدير قسم الأبحاث في مركز صوفان الدولي المعني بشؤون الاستخبارات والأمن: “ما تزال درة التاج بالنسبة لتنظيم الدولة تتمثل بالسجون والمخيمات حيث يقبع المقاتلون أصحاب الخبرة الأشداء في زمن المعارك، وإلى جانب القوة التي سيرفدون بها الجماعة في حال فتحت تلك السجون، لا بد لذلك أن يتحول إلى قيمة دعائية صرف” تخدم مساعي تلك الجماعة في مجال تجنيد الشبان والتي واظبوا على بذلها خلال شهور.
وخلال الشهر الماضي، تقدم كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركيين للكونغرس بتقييمهم السنوي للمخاطر على مستوى العالم، وخلصوا إلى أن تنظيم الدولة حتماً سيحاول أن يستغل مسألة انتهاء حكم الأسد حتى يحرر السجناء ويستعيد قدرته على التخطيط للهجمات وتنفيذها.
وخلال العام الفائت، أعلنت الولايات المتحدة مضاعفة جيشها لعدد قواته الموجودة على الأرض في سوريا، ليصل إلى ألفي جندي، ويبدو بأن الغارات الأميركية الكثيرة التي استهدفت معاقل تنظيم الدولة في البادية السورية على مدار الأشهر القليلة الماضية قد خففت من غلواء ذلك التهديد المباشر.
إلا أن الرئيس ترمب أبدى تشكيكاً كبيراً بمسألة استبقاء الجنود الأميركيين في سوريا، وقد تلاقى ذلك مع تطورات أخرى حدثت في سوريا وأقلقت الخبراء الذين رأوا بأن تلك الأمور يمكن أن تسهل على تنظيم الدولة مسألة إعادة تنظيم صفوفه والعودة من جديد.
وتأمل الولايات المتحدة من الحكومة السورية الجديدة أن تتحول إلى شريك لها في عملية منع تنظيم الدولة من العودة للنشاط مجدداً، فقد كانت المؤشرات الأولى إيجابية، إذ عملت بموجب المعلومات الاستخبارية التي زودتها بها الولايات المتحدة، فاعترضت بذلك ثمانية مخططات وضعها تنظيم الدولة في دمشق، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولان رفيعان في الجيش الأميركي أفصحا عن الأمر شريطة عدم ذكر اسميهما وذلك لأنهما تحدثا عن عمليات حساسة.
غير أن العنف الطائفي الذي وقع في سوريا خلال الشهر الماضي والذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين، كشف عن عجز الحكومة السورية الجديدة عن السيطرة على بعض القوات التي تخضع لإمرتها اسمياً، كما لم يتضح مدى استعداد تلك الحكومة لمحاربة تنظيم الدولة.
تعود بدايات تنظيم الدولة إلى تنظيم القاعدة في العراق، حيث دُحر هذا التنظيم المتمرد على يد ميليشيات عراقية وجنود أميركيين، فأعاد مقاتلوه ترتيب صفوفهم وأطلقوا على أنفسهم اسم تنظيم الدولة واستغلوا الفوضى الحاصلة بسبب الحرب السورية، فسيطروا على مساحات شاسعة من الأراضي، ثم عادوا إلى العراق.
ساءت سمعة هذا التنظيم بسبب عمليات الخطف والاستعباد الجنسي والإعدامات الميدانية التي نفذها، ناهيك عن سلسلة الهجمات الإرهابية التي نسق لتنفيذها في مختلف أنحاء أوروبا، فألهمت غيره من التنظيمات الجهادية. ثم إن هذه الجماعة نفسها دحرت قبل أكثر من خمس سنوات على يد تحالف ضمن قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية في شمال شرقي سوريا والقوات الأميركية، ولكن في مطلع عام 2024، أصبح موقف نظام الأسد دفاعياً بشكل كبير، بعد أن أرهقت نزاعات قامت في مناطق أخرى حليفتيه إيران وروسيا، كما اضطر الكورد في سوريا إلى تكريس مجهود قواتهم للتصدي للهجمات التركية.
ولكن، وعلى الرغم من خروج مناطق شاسعة عن سيطرة تنظيم الدولة، ما تزال تلك الجماعة تنشر فكرها المتطرف من خلال خلايا سرية وأذرع لها في المنطقة موجودة خارج سوريا وكذلك عبر الإنترنت. إذ خلال العام الماضي، كان تنظيم الدولة هو من خطط للهجمات الكبرى التي وقعت في إيران وروسيا وباكستان.
وبحسب ما أورده مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية اشترط عدم ذكر اسمه لأنه تحدث عن معلومات لم تنشر بعد، فإن تنظيم الدولة أعلن مسؤوليته عن تنفيذ 294 هجمة في سوريا خلال عام 2024، أي بزيادة تعادل 121 هجوماً مقارنة بالهجمات التي تحمل مسؤوليتها في عام 2023. وقدرت اللجنة الأممية المعنية بمراقبة تنظيم الدولة بأن الهجمات بلغت 400 هجمة تقريباً، في حين ذكرت مراصد حقوق الإنسان في سوريا بأن العدد أعلى بكثير.
ولكن الهجمات تراجعت عموماً حتى اللحظة من هذا العام، وذلك بحسب ما أعلنته منظمات حقوقية ومسؤولون عسكريون أميركيون، ويعود أحد أسباب ذلك إلى حملة القصف الأميركية الأخيرة التي استهدفت مقاتلي تنظيم الدولة، ولكن الوقت ما يزال مبكراً نسبياً خلال هذا العام، والوضع ما يزال على المحك.
فراغ ينذر بفوضى
وفي هذا السياق يتحدث آرون زيلين الباحث لدى معهد واشنطن والذي ظل يتعقب ويتابع نشاطات الجماعات الإسلامية ودعايتها على مدار فترة امتدت لأكثر من 15 عاماً، فيقول إن الاضطرابات التي تتعرض لها الحكومة الجديدة بسبب فلول نظام الأسد والعمليات التركية في سوريا كانت أكبر التحديات التي تعرضت لها حتى اللحظة، لكنه يحذر أيضاً من تنظيم الدولة الذي يمكن أن يعتبر تهديداً هو الآخر، وهذا ما دفعه إلى القول: “لا بد لهجوم كبير واحد يقع في دمشق ويستهدف أجانب ومغتربين ومن سواهم أن يغير رأيهم، ولهذا علينا أن نتحلى بالحذر”.
كما أن العنف الدائر في شمال شرقي سوريا زاد من المخاوف تجاه احتمال هروب مقاتلي تنظيم الدولة من السجون، بما أن قوات سوريا الديمقراطية هي من تحرس مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، وتلك القوات تسهم أيضاً في حراسة المخيمات القريبة التي تؤوي أهالي مقاتلي تنظيم الدولة.
بيد أن السجون أثبتت أنها مصدر قلق حقيقي، إذ في عام 2022، هرب نحو 400 سجين تابع لتنظيم الدولة أثناء استعصاء نفذه التنظيم في أحد السجون الموجودة في مدينة الحسكة، وفي الوقت ذاته، ساعدت قوات العمليات الخاصة الأميركية قوات سوريا الديمقراطية في السيطرة على الوضع.
ومنذ ذلك الحين، ساعدت المعلومات الاستخبارية الأميركية حول أي هروب محتمل من السجن قوات سوريا الديمقراطية في التصدي لأي مؤامرات أخرى قبل تنفيذها، وذلك بحسب تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين.
ففي مخيم الهول الذي يعتبر أكبر مخيم يؤوي نساء وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة منذ سنين طويلة، اكتشفت تلك الجماعة المتطرفة إلى أي مدى بوسعها أن تتحرك، إذ في تقرير صدر مؤخراً، أعلنت إحدى اللجان الأممية بأن الفوضى التي حصلت بسبب سقوط الأسد ساعدت بعض مقاتلي تنظيم الدولة على الهروب من المخيم، ولم يتضح حتى الآن عدد الفارين.
لذا، في حال إضعاف كرد سوريا، فلا بد لذلك أن يخلق فراغاً برأي كاوا حسن، وهو محلل عراقي وعضو غير مقيم لدى مركز ستيمسون، وهي منظمة لا تتبع لأي تحزبات في واشنطن، ويتابع بالقول: “ومن غير تنظيم الدولة ينجح ويزدهر في ظل الفراغ؟!”
المصدر: The New York Times
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية