جدول المحتويات
«نبض الخليج»
بعد إعلان الائتلاف الحكومي المقبل في ألمانيا عن خطته بشأن تشديد سياسة الهجرة واللجوء، والتي تتضمن إجراءات جذرية مثل رفض طالبي اللجوء عند الحدود وتعليق لم شمل الأسر وزيادة عمليات الترحيل، أثارت هذه التدابير تساؤلات قانونية بشأن توافقها مع الدستور الألماني وقوانين الاتحاد الأوروبي.
ويوم الأربعاء، توصلت أحزاب الائتلاف الحكومي المقبل المكون من الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحليفه الاجتماعي المسيحي، ومن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى وثيقة تفاهم تحدد أولويات الحكومة للسنوات الأربع القادمة، حيث تعهدت الأطراف باتباع “نهج مختلف وأكثر صرامة في سياسة الهجرة واللجوء”.
وخلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات البرلمانية في ألمانيا، أعلن فريدريش ميرتس، المستشار المحتمل وزعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أنه سيستخدم في أول يوم من ولايته كمستشار، صلاحية توجيه السياسات ليأمر وزارة الداخلية الألمانية بإجراء عمليات تفتيش دائمة على الحدود الألمانية ورفض استقبال طالبي اللجوء.
ورغم أن الخطة المتعلقة بالهجرة والاندماج في اتفاق الائتلاف تشير إلى أن “حق اللجوء الأساسي سيبقى مصوناً، وأن ألمانيا ستبقى بلداً منفتحاً على الهجرة”، إلا أن أحزاب الائتلاف المقبل أكدت على أنها ستتخذ إجراءات تهدف إلى “تنظيم الهجرة والتحكم فيها، والحد الفعّال من الهجرة غير النظامية”.
هل عمليات التفتيش على الحدود قانونية؟
ويعتزم الائتلاف مواصلة مراقبة جميع الحدود الألمانية حتى يتم توفير حماية فعالة للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.وهذا ليس جديداً من الناحية العملية، لكنه يثير إشكالات قانونية، فقد وقعت ألمانيا منذ سنوات على قانون حدود شنغن، والذي ينص بوضوح على عدم السماح بمراقبة حدود دائمة بين الدول الأعضاء، إلا في حالات خطر استثنائية ولوقت محدد.
لكن وفقاً لتحليل قانوني نشرته قناة (ARD)، فإن عمليات المراقبة الحالية على الحدود الألمانية تتعارض مع هذه قواعد شنغن، إذ قضت المحكمة الإدارية بولاية بافاريا، أن عملية تفتيش مواطن نمساوي عام 2022 كانت غير قانونية، لأن عملية مراقبة الحدود لم تكن مبررة بموجب قانون شنغن، وبالتالي فإن “الاستمرار في تنفيذ عمليات المراقبة كما يخطط الائتلاف الحكومي يزيد من تعقيد الوضع القانوني”.
قانونية طرد اللاجئين على الحدود مشكوك فيها
أحد أكثر البنود إثارة للجدل في اتفاق الائتلاف الحكومي ينص على أن “طالبي اللجوء سيُرفضون عند الحدود البرية بالتنسيق مع الدول الأوروبية المجاورة، حتى في حال تقديم طلبات لجوء”. وأوضح فريدريش ميرتس، أن “هناك حواراً وثيقاً يجري مع الشركاء الأوروبيين بهذا الشأن، وسنحل المشكلة معاً”.
ويشير التقرير إلى أن “أغلب خبراء القانون متفقون أن الطرد الفوري لطالبي اللجوء عند الحدود يمثل مخاطرة قانونية كبيرة، حتى وإن وافق الجيران الأوروبيون، وصحيح أن المادة 16a الفقرة 2 من الدستور الألماني تنص على أن من يأتي من بلد ثالث آمن لا يحق له اللجوء في ألمانيا، لكن المادة تُختتم بالفقرة الخامسة، التي تنص على أولوية القانون الأوروبي والدولي على القانون الألماني”.
وهذا يعني أن قانون دبلن الأوروبي هو المرجع الأساسي، وبالتالي فإن الدولة التي دخل منها اللاجئ أولاً إلى الاتحاد الأوروبي هي المسؤولة عن فحص طلب لجوئه، ولكن يجب على ألمانيا أولاً تحديد الدولة المسؤولة، وبعدها يمكن نقل اللاجئ إليها، أما الطرد المباشر عند الحدود الألمانية، فلا يسمح به قانون الاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بإمكانية إعلان ألمانيا حالة الطوارئ التي قد تتيح تجاوز قانون الاتحاد الأوروبي، فإنها مسألة لم تحسم بعد قانونياً وما يزال مشكوك بها، خاصة في ظل الانخفاض الواضح في أعداد طلبات اللجوء في ألمانيا، وقد فشلت جميع الدول الأوروبية التي حاولت الاستناد إلى حالة الطوارئ أمام محكمة العدل الأوروبية.
المحكمة الأوروبية قد تعرقل الخطة
هناك خطة لتوسيع قائمة “الدول ذات الأصل الآمن”، والتي يُطبّق عليها إجراءات لجوء مبسطة، حيث يُفترض أنه لا يوجد خطر اضطهاد في هذه الدول وبالتالي لا يوجد غالباً سبب للجوء، كما يتعين على اللاجئين من هذه الدول إثبات وجود تهديد شخصي، وهذا يسهل على السلطات رفض الطلبات.
وتشمل قائمة الدول الآمنة حالياً جميع دول الاتحاد الأوروبي وعشر دول أخرى، منها جورجيا وغانا وكوسوفو، والآن يرغب الائتلاف الحكومي المقبل في توسيع القائمة لتشمل الجزائر والمغرب وتونس والهند.
وتتطلب هذه الخطة تعديل قانون اللجوء في البرلمان، لكن أحزاب الائتلاف اتفقت على السماح بتعديل قائمة الدول الآمنة مستقبلاً من خلال مرسوم حكومي دون الحاجة إلى عملية تشريعية طويلة في البرلمان.
لكن محكمة العدل الأوروبية تنظر في المعايير الخاصة بتصنيف “الدول الآمنة”، ففي إحدى القضايا المتعلقة بإيطاليا، تدرس المحكمة ما إذا كان يمكن اعتبار دولة ما “آمنة” رغم وجود تهديدات للأقليات فيها.
وفي مرافعاتها الأخيرة، أعطت المحكمة رأياً غير ملزم مفاده أن الدولة قد تُعتبر آمنة رغم تهديدات للأقليات، ولكن فقط إن كانت دولة ديمقراطية تقدم حماية مستدامة لشعبها، ومن المتوقع صدور حكم المحكمة خلال الأشهر القادمة، وإذا حكمت المحكمة بعدم الأهلية، فققد يعرقل ذلك خطط الائتلاف.
هل الترحيل إلى سوريا وأفغانستان ممكن؟
تتضمن وثيقة الاتفاق على وعد واضح بالترحيل، يقول: “سوف نرحّل أفراد إلى سوريا وأفغانستان، بدءاً بالمجرمين والأشخاص الذين قد يشكلون خطراً”. وسيسعى الائتلاف على تحسين التعاون مع الدول الأصلية لتسهيل الترحيل، كما أن الحكومة الاتحادية ستحصل على صلاحية تنفيذ عمليات الترحيل بدلاً من الولايات، وسيتم دراسة إنشاء مراكز مراكز ترحيل على المستوى الاتحادي لتسريع العملية.
وفي حديثه لصحيفة (بيلد) يوم الخميس، قال تورستن فراي، رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، والسياسي في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي: “سنعمل على تنظيم عمليات ترحيل إلى سوريا وأفغانستان، ويمكن للألمان الاعتماد على ذلك”.
وفي آب 2024 نظمت الحكومة السابقة عملية ترحيل إلى أفغانستان شملت مجرمين، رغم صعوبة ذلك في ظل حكم حركة طالبان ورفض التواصل معها مباشرة، والآن لم يوضح اتفاق الائتلاف ما إذا كان سيتم تغيير هذا النهج.
أما بالنسبة لسوريا، فقد تُصبح عمليات الترحيل ممكنة بعد سقوط نظام الأسد، لكن هناك شرط قانوني ينص على أنه “لا يجوز ترحيل أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطر التعذيب أو القتل حتى ولو كان مجرماً”. وبالتالي يرى الخبراء أن “هذا حدّ قانوني لا يمكن تجاوزه ويجب التحقق منه في كل حالة فردية، كما ستراقب المحاكم هذا الأمر أيضاً”.
تقييد الحماية القانونية لطالبي اللجوء
ويرغب الائتلاف الحكومي في تقييد الحماية القانونية لطالبي اللجوء، ويُخطط لتقليص إمكانية الطعن ضد قرارات المحاكم الإدارية. ففي بعض قضايا اللجوء، مثل تلك التي تهدد طالبي اللجوء بالاعتقال التمهيدي للترحيل، لن يُعيَّن لهم محامٍ على نفقة الدولة.
وتنص وثيقة التفاهم أيضاً على أنه سيتم اعتماد مبدأ ما يعرف بميداً “تقديم الأدلة” بدلاً من مبدأ “التحقيق الرسمي” في إجراءات اللجوء، أي سيتم تعديل قانون اللجوء بحيث يكون طالب اللجوء مسؤولاً عن تقديم الأدلة والوثائق بنفسه.
في القانون الإداري الألماني، الذي يشمل قانون اللجوء، تتولى السلطات والمحاكم حالياً مسؤولية جمع الأدلة والتحقق من الوقائع في كل حالة لجوء، فهي غير مقيدة فقط بما يقدمه الأفراد، بل يجب على القاضي المسؤول أيضاً التأكد من استكمال أي معلومات غير كافية،
وبحسب خبراء فإن اعتماد مبدأ “تقديم الأدلة” يعني تحولاً جذرياً في الإجراءات القانونية، إذ سيتوجب على طالبي اللجوء أن يبرهنوا بأنفسهم، وبشكل أكثر صرامة من السابق، أنهم يستحقون الحماية، وقد يؤدي تقديم معلومات غير كافية إلى رفض طلباتهم حتى لو كانوا فعلاً بحاجة للحماية.
وأعرب أستاذ القانون وخبير اللجوء قسطنطين هروشكا عن شكوكه بهذا الشأن، وأكد أن “ذلك قد يتعارض مع المبادئ الدستورية والقانون الأوروبي”. مضيفاً أن “من الممكن مطالبة المتقدم بالتعاون، لكن هذا يُلزم المحكمة بالتدقيق، ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل ما هو معروف”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية