جدول المحتويات
«نبض الخليج»
إثر تعرّض والده (65 عاماً)، لأزمة صحية مفاجئة، اضطر حسين بربش أن يقطع مسافة تزيد عن 50 كيلو متراً من مدينة معرة النعمان إلى مدينة إدلب للوصول إلى أقرب مستشفى لتقديم التدخل الطبي المناسب لمريضه.
وفي مساءٍ بارد، عقب عودته إلى مدينته معرة النعمان جنوبي المحافظة، بعد تهجير استمر نحو 5 سنوات، كان “مستحيلاً إسعاف والدي بدراجة نارية إلى مدينة إدلب ـ يقول حسين ـ إلى أن طلبتُ تدخلاً من فرق الدفاع المدني وأسعفته على الفور إلى المستشفى في إدلب وهناك عادت حالته إلى الاستقرار بعد تقديم العلاج اللازم.. لكن خشيت أن تتأزم حالته خلال هذه المسافة”.
جهّز حسين غرفتين في منزله المدمّر، واستعاض عن السقف المهدوم، بغطاء بلاستيكي (شادر) ليحجب عن أطفاله عوامل الجو المختلفة، لكن يبدو أن تأمين مكان الإقامة ليس آخر تحديات العودة أمام سكان ريف إدلب الجنوبي المدمّر.
وتغيب المنشآت الطبية ذات الخدمات الحيوية ضمن ما يعرف بـ”المناطق المحررة حديثاً” في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي المدمّرين، واللذين يضمّان أكبر مدن المحافظة (سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون) وبقعة واسعة من أريافهم، وتقتصر الخدمات الطبية فيها على عيادات نقّالة، ما يعمّق أزمة العودة والاستقرار لدى سكان المنطقة المهجّرين في مخيمات النازحين الحدودية.
وعلى الرغم من أن أزمة القطاع الطبي في إدلب ليست وليدة هذه المرحلة، إلا أن حجم التحديات يزداد مع اتساع الرقعة السكانية وبدء عودة الحياة إلى المدن، وتحضرُ مرتبطةً بواحدةٍ من أعقد المعضلات التي واجهت السوريين ـ النزوح القسري ـ باعتبار أن تسهيل العودة يحتكم بتأمين أدنى مقومات العيش وعلى رأسها الصحة.
عيادات نقّالة.. حل إسعافي
يوضح إبراهيم الويس، وهو رئيس دائرة المنشآت الصحية في مديرية صحة إدلب، لموقع تلفزيون سوريا أن “المديرية بالتعاون مع المنظمات الطبية العاملة في المنطقة تفعّل 12 عيادة طبية نقّالة تخدم خدمات المعاينة والاستشارات الطبية وبعض الأدوية وهناك خطة لتوسعتها لزيادة عددها بهدف تخديم شريحة أكبر استجابةً لزيادة أعداد السكان من العائدين إلى مناطقهم”.
إلى جانب العيادات النقّالة، دخلت ثلاثة مستوصفات الخدمة، خلال الأيام القليلة الماضية، بجهودٍ أهلية في بلدات “حيش والتح ومعرة حرمة” بريف إدلب، بهدف تقديم الخدمات الطبية الإسعافية والمعاينات وتوفير بعض الأدوية، إلا أن التدخلات الجراحية النوعية وغرف العناية وغيرها من العلاجات المتقدمة ما زالت غائبة عن عموم الريف المدمّر.
“ضغط شديد”
ومع واقع 6 ساعات من عمل العيادات النقّالة يومياً ـ من الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً ـ لا تعتبر الخدمات الطبية مثالية للسكان العائدين، وهو ما يشير إليه حسين محمد النايف، من سكان مدينة معرة النعمان، ويقول في هذا السياق لموقع تلفزيون سوريا: “ازدحام شديد على النقطة المتنقلة الوحيدة في المدينة، وننتظر ساعات طويلة نتيجة الضغط الحاصل على الكادر”.
ويضيف: “قدمت من الساعة الثامنة والآن الساعة 12 ونصف ولم يحن دوري بعد، والأطفال متعبون من المرض.. عيادة واحدة لا يمكن أن تكفي لمدينة كاملة، نحتاج تفعيل المستشفى والمستوصف بأقصى سرعة ممكنة حتى نتمكن من المقاومة والبقاء في المدينة بعد غياب 5 سنوات نتيجة التهجير”.
وعائلة “النايف” واحدة من نحو 1500 عائلة قررت العودة إلى المدينة، ونصب “شادر” ليحل مكان السقف الذي نزعته قوات النظام المخلوع وسرقت حديده، إلا أن غياب الخدمات يقوّض قدرات الأهالي على تحمّل قرار العودة.
محمد نونو، من سكان معرة النعمان أيضاً، عاد قبل شهرين إلى منزله شبه المدمّر، ويشتكي من غياب الخدمات الطبية التي يعتبرها الأكثر أهمية بالنسبة للأهالي العائدين مؤخراً إلى المدينة.
ويقول لموقع تلفزيون سوريا: “لدي 3 أطفال، ولا قدر الله إذا حدثت إصابة أو طارئ خارج أوقات دوام العيادة النقّالة، فأنت مضطر أن تقطع مسافة نحو 40 كيلو متراً إلى مدينة إدلب، وهذا الأمر قد يعرّض حياة الأهالي المرضى أو المصابين لمخاطر”.
مستشفيات تخفّض خدماتها
لا تقتصر الأزمة على الريف المدمّر من المحافظة، إلا أن الاتّجاه شمالاً ـ حيث الكثافة السكانية ـ يكشف ملامحها أيضاً، فالمنشآت الصحية ذات الاعتماد الأكبر باتت تقلّص خدماتها بعد استنزافها إثر توقف المنح.
يقول “الويس” إن “9 مستشفيات من أصل 59 مستشفى عاملاً في إدلب، ونحو 30 مركزاً صحياً توقف المنح الدولي عنها، وهي تعمل في الطاقة الدنيا ويقتصر عملها على الخدمات الإسعافية، وبعض الخدمات في الأجنحة، ويستمر العمل فيها إلى حين الانتهاء من المستهلكات الطبية المتوفرة”.
ويؤكد أن نحو مليونَي نسمة ـ نصفهم من النازحين ـ يتأثرون بتوقف وتعليق عمل المنشآت الطبية في إدلب.
وتتوزع خارطة المستشفيات التي توقف الدعم عنها على:
- مستشفى باب الهوى وهو المنشأة الطبية الأضخم في منطقة شمالي إدلب ويتوسط شريطاً طويلاً من مخيمات النزوح.
- مستشفى حارم العام ـ مدينة حارم.
- مستشفى عدي سراقب ـ مدينة حارم.
- مستشفى الرحمن ـ بلدة حربنوش.
- مستشفى الإخاء ـ بلدة أطمة.
- مستشفى النور ـ بلدة تفتناز.
- مستشفى السلام ـ مدينة حارم.
- مستشفى الداخلية التخصصي ـ مدينة جسر الشغور.
- مستشفى العيادات ووحدة الصحة النفسية ـ مدينة سرمدا.
- مستشفى التوليد ـ بلدة كفرتخاريم.
“المنح الأميركي يغلق 6 منشآت في إدلب”
يقول الطبيب بشير تاج الدين، وهو مدير مكتب المنظمة الطبية السورية ـ الأميركية (سامز)، إن “السبب الرئيسي في إغلاق وتعليق المنشآت الطبية هو التخفيضات العالمية في تمويل (USAID ـ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، بما في ذلك سوريا ضمن البرنامج الصحي الرئيسي الممول من الوكالة، كان ما يعرف اختصاراً بـ(IHNPA ـ المساعدة المتكاملة في مجال الصحة والتغذية والحماية ) والذي دعم 6 منشآت صحية تابعة لـ”سامز” من حيث كلفة التشغيل والرواتب والمستلزمات الطبية”.
“ارتفاع معدل الوفيات والأمراض”
ويتحدث “تاج الدين” لموقع تلفزيون سوريا عن عدة آثار جسيمة على السكان المحليين في المنطقة، نتيجة استمرار التخفيضات في التمويل على القطاع الطبي وهي:
- إغلاق مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات الرئيسية
- تعطيل برامج التطعيم
- زيادة تفشي الأمراض (الكوليرا والحصبة)
- ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والرضع
- فقدان آلاف العاملين في مجال الرعاية الصحية لوظائفهم
- ارتفاع في معدل الوفيات التي يمكن تجنبها
- انهيار شامل للبنية التحتية الصحية
ويشير “تاج الدين” إلى أن توقف المنشآت التي كانت تموّلها المنظمة في إدلب يحرم أكثر من 22 ألف مستفيد فريد إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية شهرياً.
ويقول حول بدائل المنظمة ـ التي تعد من أضخم المنظمات الطبية العاملة في شمالي غربي سوريا ـ إنها بصدد “البحث عن مصادر تمويل بديلة والحفاظ على الخدمات الصحية الأساسية من خلال جهات مانحة أخرى والتمويل الخاص لسامز، وكذلك تحويل بعض المنشآت الصحية المختارة إلى مراكز للرعاية الطارئة”.
مشروعات ترميم.. كم منشأة؟
بينما شرعت بعضها بأعمال ترميم، تعتزم منظمات أخرى إطلاق مشاريع ترميم لمنشآت صحية وطبية في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، في محاولةٍ لتأمين الخدمات الطبية للسكان عقب عودتهم من رحلة التهجير.
وأعلنت منظمة “يداً بيد للإغاثة والتنمية” وبتمويل من “صندوق مساعدات سوريا” إطلاق مشروع 6 منشآت صحية في المناطق المدمّرة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وهي:
- مستشفى معرة النعمان المركزي
- مركز صحي في آفس
- مركز صحي في سراقب
- مركز صحي في معصران
- مركز صحي في الدير الشرقي
بينما تستمر أعمال الترميم في مركزي:
- خان شيخون ـ بدعم من منظمة الإغاثة الإسلامية (ISLAMIC RELIEF)
- معرة النعمان ـ بدعم من منظمة الصحة العالمية (WHO)
وبحسب محدّثنا “الويس” فإن الأعمال ستقتصر على إعادة ترميم وتأهيل المنشآت الصحية فقط، بينما أعمال التشغيل هي محطّ دراسة المديرية.
وفي الوقت الحالي، تعمل مديرية صحة إدلب على دراسات هندسية للاستمرار في أعمال ترميم كافة المنشآت الصحية في ريف إدلب المدمّر لتخديم السكان العائدين.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية