جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يؤشر لجوء حكومة تسيير الأعمال السورية إلى تصفية “المؤسسة السورية للتجارة” والإعلان عن حزمة مزايدات علنية لبيع المستودعات الغذائية الخاصة بها إلى عزم العهد الجديد على إغلاق ملف دعم المواطن بشكل نهائي، بعد عقود من اتباع البلاد للاقتصاد الاشتراكي ثم ما أطلق عليه النظام البائد بـ”نظام السوق الاجتماعي”.
وبالرغم من أن تصفية المؤسسة يعتبر تحصيل حاصل، بعد تحرير الحكومة الأسعار واعتماد اقتصاد السوق الحر، غير أن مراقبين يخشون من أن تشكل عملية التصفية بداية عهد جديد قائم على الخصخصة التي قد تتم في توقيت غير مناسب، نظرا لحالة التردي الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.
مزايدات علنية
وأعلنت “المؤسسة السورية للتجارة” عن إجراء مزايدة علنية للمرة الثانية لبيع المواد الغذائية والمنظفات والمواد المنزلية والقرطاسية وغيرها من المواد الموجودة في مستودعات فروعها.
كما أعلن فرع “المؤسسة السورية للتجارة” بدمشق عن رغبته بطرح قطعة أرض تابعة له للاستثمار عن طريق مزايدة علنية بموجب محاضر تشغيل لتفعيلها بمهنة بيع الخضار والفواكه و توضيبها وفرزها وشحنها.
وسبق أن أعلنت المؤسسة عن إجراء مزايدات علنية منفصلة لبيع المواد الغذائية والمنظفات والمواد المنزلية والقرطاسية وغيرها من المواد الموجودة في المستودعات، وشملت المزايدات فروع المؤسسة في دمشق وريفها وحلب وطرطوس والسويداء ودير الزور.
خطة بديلة
وجاءت المزايدات التي تعلنها المؤسسة عقب قرار حكومة تسيير الأعمال السورية المؤقتة يقضي بإلغاء “المؤسسة السورية للتجارة”، وتجميد جميع أعمالها ومنشآتها من أجل إعادة النظر فيها.
وأوضح مدير المؤسسة عامر قسوم في تصريحات صحفية سابقاً أن “أغلبية البضائع كانت ضمن عقود وصفقات مشبوهة وغير قانونية، ويعتقد أنها كانت جزءًا من عمليات تبييض أموال لصالح أذرع النظام البائد”.
وأضاف قسوم أن بعض البضائع الموجودة في المستودعات قاربت على انتهاء صلاحيتها، ولذلك جرى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصريف البضائع المتبقية وفقًا للقوانين المعمول بها، مع مراعاة سلامة الإجراءات وحماية المصلحة العامة.
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ماهر خليل الحسن، كشف عن مخطط مشروع استثماري بديل لـ”السورية للتجارة”، يجري من خلاله تأمين المواد الغذائية والتموينية للمواطنين بأسعار تشجيعية.
وتأسست “السورية للتجارة” في كانون الثاني/يناير 2017، بعد دمج “المؤسسة العامة الاستهلاكية” و”المؤسسة العامة للخزن والتسويق” و”المؤسسة العامة لتوزيع المنتجات النسيجية – سندس”، وتمتلك المؤسسة صالات بيع مباشرة للمواطنين في معظم المدن والبلدات السورية.
قرار جيد لكن التوقيت خاطئ
ويوضح الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر أن الحكومة السورية تتجه لإلغاء سياسة الدعم وإغلاقها بشكل كامل، لافتا خلال حديث ل”تلفزيون سوريا” إلى أن من مظاهر رفع الدعم قيام الحكومة بتحرير أسعار الخبز والمحروقات والغاز المنزلي، ما يعني عدم الحاجة لخدمات المؤسسة السورية للتجارة، كون الأسعار في السوق صارت محكومة بقوى السوق من عرض وطلب.
وبالرغم من إيجابية معظم هذه الإجراءات من حيث أنها تعالج مشكلة الفساد التي كانت موجودة في نظام الدعم الاجتماعي، وتحقق وفرا ماليا لخزينة الدولة، إلا أنها “تتسبب بتداعيات سلبية”، وفقا للسيد عمر، خاصة وأن مستوى الدخل لم يتحسن ولا يتناسب مع مستوى الأسعار في السوق.
ويضيف بأن التداعيات السلبية تتمثل في ضغوط إضافية على الأسر، وزيادة حدة الفقر، مشيرا إلى أن قرار تصفية السورية للتجارة وما يوازيها من تحرير الأسعار “يعد جيدا بشكل عام وفي الاتجاه الصحيح”، لكن “توقيته غير صحيح لأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسوريين غير مهيئ لهذا الأمر”، داعيا إلى “توفير دعم مالي أو عيني للأسر الأكثر فقرا، وإلا سنكون أمام أزمة اقتصادية واجتماعية حادة”.
نموذج للخصخصة
ويرى الخبير الاقتصادي رضوان الدبس أن تصفية “المؤسسة السورية للتجارة” والمزايدات المعلنة في هذا السياق تشكل نموذجا لخطة الحكومة نحو التخلص من عبء القطاع العام وخصخصة قرابة مئة شركة مملوكة للدولة، معتبرا خلال حديث ل”تلفزيون سوريا” أن هذا التوجه هو “سلاح ذو حدين”.
ويضيف أن الخصخصة وتصفية بعض شركات القطاع العام سيدخل ملايين الدولارات إلى الخزانة العامة، وهذه فائدة مباشرة لكنها مؤقتة، نظرا للخسائر الكبيرة التي ستتبع هذه الخطوة، مؤكدا أن بيع الشركات الحكومية للقطاع الخاص يعني خسارة الدولة لمورد كبير كان سيرفد الخزينة في حال تمت إتاحة الفرصة المناسبة للشركات الحكومية للإنتاج والعمل.
ويوضح الدبس أن وجهة نظر النظام الاشتراكي الذي كانت تتبعه البلاد في المرحلة الماضية كانت تعتبر أن أي مؤسسة حكومية -حتى ولو كانت خاسرة من حيث الإنتاج- هي مؤسسة تؤدي خدمات للمواطن سواء بتوفير منتجات أو فرص توظيف.
وبالرغم من انتقاده لوجهة النظر الخاطئة هذه، يرى الدبس أن الحل ليس في بيع الأصول الحكومية وفقا لتوجه العهد الجديد، ولا في تركها عرضة للخسارة والترهل وغياب التحديث والتطوير كما في العهد البائد، بل في إتاحة الفرصة لهذه المؤسسات للعمل خصوصا في ظل انتهاء مرحلة الحرب وبداية مرحلة البناء.
المواطن هو المتضرر الأول
وحول تداعيات خصخصة المؤسسات الحكومية، يلفت الدبس إلى أن أول الانعكاسات السلبية المباشرة تتمثل في غلاء أسعار السلع نظرا لأن القطاع الخاص هو قطاع ربحي بعكس القطاع العام الذي كان يدعم بعض السلع بهدف تخفيض سعرها وجعلها في متناول الشريحة الفقيرة من المواطنين.
ويؤكد بأن تصفية “السورية للتجارة” تشكل بداية تطبيق الخصخصة التي تعني إلغاء دعم المواطن بشكل نهائي، نظرا لطبيعة السورية للتجارة التي كانت تقوم بشراء المنتجات من المنتج مباشرة وتبيعها في الصالات الخاصة بها للمستهلك بأسعار أقل من سعر السوق، حيث كانت تؤمن جزءا من احتياجات المواطنين من ذوي الدخل المحدود بالرغم من حالة الفساد التي كانت تعيشها هذه المؤسسة.
وبما أن شريحة ذوي الدخل المحدود تعتبر الشريحة الأوسع الآن، فإن تصفية المؤسسة واللجوء إلى تكرار نفس الإجراء مع المؤسسات الحكومية الأخرى سوف يؤذي المواطن بشكل مباشر، ويزيد من معدلات البطالة نظرا لأن التصفية أو البيع تعنيان تسريح آلاف الموظفين الحكوميين.
وبناء على ما سبق، ينصح الدبس بإعادة دراسة وتقييم أوضاع كل مؤسسة حكومية، وإعادة تشغيلها بما يتناسب مع وضع الدولة، سواء بالشراكة أو الاستثمار مع القطاع الخاص أو بالمساهمة والمحاصصة وفق آليات متعددة لتنشيطها وإعادة هيكلتها وتشغيلها وجدولة ديونها وصولا إلى الاحتفاظ بالموظفين وإعادة تسيير القطاع العام لجعله منتجا وقادرا على إدخال المال إلى الخزينة ورفد السوق بالسلع، وفي مرحلة لاحقة يمكن اللجوء إلى فكرة الخصخصة المدروسة لبعض المؤسسات وليس لجميعها.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية