جدول المحتويات
«نبض الخليج»
كانت إيران بلا شك الخاسر الرئيسي في المعادلات الحالية في سوريا، وهذا يبدو جلياً في تطورات الأوضاع الأخيرة التي لم تعد تصب في مصلحتها كما كانت الحال في السابق. فبعد سنوات من التدخل العسكري والوجود القوي في سوريا خلال عهد الأسد، أصبح من الطبيعي أن تسعى طهران إلى تأمين موطئ قدم لها في الساحة السورية بعد التغيرات الجذرية التي طرأت على الحكم في سوريا.
وفي هذا السياق، تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في سوريا من خلال التواصل مع عناصر من النظام المخلوع، إضافة إلى دعم مجموعات الفلول وبعض الأطراف من الطائفة العلوية ومجموعات كردية معارضة، في محاولة لإضعاف جهود ترسيخ الحكومة الجديدة. وتعكس هذه التحركات الأجندة الإيرانية الهادفة إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، خاصة بعد الانكسارات التي تعرضت لها مؤخراً.
تصريحات خامنئي، التي دعا فيها الشعب السوري إلى مواجهة الحكومة الجديدة في لحظة إحباط غير مسبوقة، كانت محاولة لتوجيه رسالة سياسية ضمن سياق الأزمة، رغم أن العديد من السوريين كان على قناعة تامة بأن هذا النوع من التصريحات لن يمر بدون تداعيات عملية، وأن إيران ستستغل الوضع لصالحها عبر دعم أطراف معينة في الصراع السوري.
من جهة أخرى، تزايدت المؤشرات التي تدل على أن إيران قد تلعب دوراً محورياً في الأزمة السورية في ظل الضغوط الداخلية والدولية، خاصة من خلال تحالفاتها مع ميليشيات لبنانية وعراقية تدين بالولاء لطهران. كما أنها قد تستخدم ورقة تحريض بعض الأطراف العلوية والكردية لتحقيق أهدافها، مما يخلق حالة من الصراع المستمر التي من شأنها أن تعمق الأزمة في سوريا وتزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية والدولية.
إيران تواصل التحريض الطائفي في سوريا على أعلى المستويات
في خطاب ألقاه اللواء علي أكبر أحمديان، أمين مجلس الأمن الأعلى للنظام الإيراني، في 21 شباط الماضي، خلال مناورة عسكرية للحرس الثوري الإيراني في محافظة كرمان، أكد على أن سوريا ستشهد مقاومة جديدة ضد ما وصفه بـ “الاحتلال”. هذه التصريحات تأتي في وقت حساس يعكس تمسك إيران بموقفها في سوريا، على الرغم من التحولات السياسية في البلاد.
من جهة أخرى، تتجاهل هذه التصريحات الحقيقة الواضحة بأن التدخل الإيراني في سوريا ليس سوى محاولة لزيادة نفوذ طهران على حساب السيادة السورية واستقرار المنطقة.
في ذات السياق، وصف بعض أئمة الجمعة المقربين من مكتب خامنئي في إيران الاشتباكات في الساحل السوري، في 6 آذار 2025الماضي، بأنها “انتفاضة الشعب السوري” ضد ما وصفوه بـ”حكومة الإرهاب”. وأشاروا إلى أن المرشد الإيراني كان قد تنبأ سابقاً بأن الشباب السوري سيتصدى لهذه الحكومة. وأضاف الملا حسيني همداني، إمام جمعة كرج، في خطبته قائلاً: “كان التوقع من حضرة آقا (خامنئي) لسوريا أن الشباب السوريين سيقومون بثورة لإنقاذ وطنهم”، مشيراً إلى أن هذا التنبؤ بدأ يتحقق مع إعلان الجهاد وتزايد الاشتباكات في بعض المناطق.
وفي 8 آذار 2025، نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن حسين علي الكراوي، رئيس اللجنة التنفيذية لأحد الحركات الشعبية في العراق، زعمه إن هناك خطة من قبل من وصفهم بـ”الإرهابيين الحاكمين في سوريا” لتنفيذ عملية تطهير عرقي ضد الشيعة في البلاد.
وادعى الكراوي أن عناصر ممن وصفهم ب “النظام الإرهابي لجبهة النصرة” يسعون لإثارة الفتنة الطائفية في سوريا، من خلال السيطرة على مقام السيدة زينب ومساجد شيعية أخرى في سوريا، بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر.
وتابع الكراوي قائلاً: “إغلاق هذا المقام بذريعة محاولة تنفيذ عمليات إرهابية فيه ليس سوى تمهيد لتحقيق هذا الهدف”، زاعماً أن هناك خطة أميركية صهيونية لتكرار أحداث 2006 في العراق بتفجير “مرقدي الإمامين العسكريين” في سامراء، لكن هذه المرة في سوريا.
وتأتي هذه التصريحات ضمن سياق التحريض الطائفي المستمر الذي تسعى إيران من خلاله إلى تعزيز وجودها في سوريا، موجهة اتهامات ضد الأطراف المناهضة لها في محاولة لخلق تبريرات لتدخلاتها العسكرية.
ونقل موقع التلفزيون والإذاعة الإيرانية عن إمام الجمعة في بولدشت قوله: “التطورات المستقبلية ستظهر أن الشباب السوري الشجاع لم يصمت أمام الضعف الداخلي والعدوان الخارجي، وهو قادر على تغيير المعادلات على الأرض”.
ويعكس هذا التصريح النهج الإيراني الذي يسعى لإثارة الانقسامات داخل سوريا، حيث يشجع على تحدي الحكومة السورية الحالية ويعزز فكرة أن الشباب السوري يمكنه تغيير الوضع القائم في إطار الترويج للمقاومة ضد الحكومة السورية.
وكانت قوات الأمن السورية قد ضبطت في 11 آذار الجاري، كميات كبيرة من الذخيرة الإيرانية الصنع (خفيفة ومتوسطة) في قرية المزرعة بريف حمص الغربي، ما يعكس استمرار التدخل الإيراني في الشؤون السورية من خلال تزويد مجموعات موالية لها بالأسلحة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في البلاد.
قوات الأمن تضبط كميات كبيرة من ذخيرة إيرانية الصنع (خفيفة ومتوسطة) في قرية المزرعة بريف حمص الغربي. pic.twitter.com/ODzHxVx1oO
— ضياء قدور dyaa kaddoor (@dyaakaddoor) March 11, 2025
إيران تتبنى دعم فلول الأسد عسكرياً
وأقر موقع المراسلين الشباب الإيراني بأن فلول النظام البائد في سوريا مدعومون من طهران، حيث أشار إلى أن “هناك تكهنات بأن المقاومة الساحلية في سوريا كان ينبغي أن تمر بمرحلة أكثر تقدماً وتحمل السلاح بعد أن تم تعزيزها بشكل كامل، وكان لا بد من ضمان الدعم من القوات الأجنبية”.
وتكشف هذه التصريحات عن الدور المستمر لطهران في توجيه الأحداث في سوريا، حيث تسعى إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال دعم جماعات محلية معينة وتقديم العون العسكري.
وفي محاولة لتكثيف الخطاب الطائفي في سوريا، قال الموقع: “يعلم العلويون أنه لن يكون لهم بالتأكيد مكان في حكومة سنية ذات جذور سلفية، والتي كانوا في صراع دموي معها لسنوات”.
وتوضح هذه العبارات الاستراتيجية الإيرانية في تأجيج الانقسامات الطائفية داخل سوريا، حيث تسعى طهران لتعميق الصراع الطائفي لضمان استمرار نفوذها في البلاد، معتبرة أن هذه الفجوات الطائفية ستخدم مصالحها السياسية في المنطقة.
وفي خضم ذلك، واصلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية نشر التحريض الطائفي في سوريا من خلال الترويج لفيديوهات قديمة وغير ذات صلة بالأحداث الحالية. حيث نشرت الوكالة فيديو لفتاة سورية تعرضت للضرب على يد لبناني تابع لـ”حزب الله” في لبنان، وهو فيديو يعود لعدة أشهر مضت. وتأتي هذه المحاولات في سياق استمراري لتحريك مشاعر الطائفية والانتقام لدى بعض الفئات، مستخدمةً أحداثاً قديمة بهدف التأثير على الرأي العام، وبالتالي دفع الأمور نحو المزيد من التوترات الداخلية والإقليمية.
وفي مقطع فيديو حديث نشره مقداد فتيحة، أحد أبرز المجرمين من فلول نظام الأسد، يكشف عن اعتراف هام يسلط الضوء على تنسيق التمرد المسلح في الساحل السوري، يدعم مباشر من ما يسمى “جبهة المقاومة الإسلامية – غرفة أولي البأس”. هذه الجبهة التي أعلنت إيران بشكل رسمي عن تشكيلها في سوريا قبل أسبوعين، هي جزء من محاولاتها المستمرة لزعزعة استقرار البلاد، من خلال استغلال الأوضاع الراهنة لتعميق الانقسام الطائفي والمذهبي.
في هذا المقطع اعتراف هام أن هذا التمرد الدموي في الساحل يتم بتنسيق ودعم من مايسمى (جبهة المقاومة الإسلامية – غرفة أولي البأس) التي أعلنت إيران بصورة رسمية قبل أسبوعين عن تشكيلها في سوريا لزعزعة استقرارها. pic.twitter.com/6Um8jWNe4B
— ضياء قدور dyaa kaddoor (@dyaakaddoor) March 9, 2025
إيران تتبنى فلول النظام إعلامياً
بعد تقديم الدعم العسكري واللوجستي من قبل إيران لفلول الأسد، باتت طهران تتبنى هذه الفلول إعلامياً، في خطوة تهدف إلى ترويج رواياتهم وأدائهم في الساحة السورية. هذه الخطوة تُظهر استماتة إيران لتعويض خسارتها المهينة في سوريا، حيث تسعى لإعادة توجيه الأحداث لصالحها ومحاولة استعادة نفوذها الذي تراجع بشكل كبير في ظل التحولات السياسية والإقليمية الأخيرة.
وفي خطوة غير مسبوقة، أجرت وكالة “مشرق نيوز” الإيرانية لأول مرة لقاءً مع من وصفتهم أحد المسؤولين المطلعين في “المقاومة الشعبية في سوريا”، وتبنت بشكل واضح روايته، إذ أدعى تأييده لما وصفوه بـ “التحركات المشروعة” ضد الحكومة السورية الجديدة.
وأكد المصدر الميداني أن عملية التمرد الأخيرة في الساحل السوري التي قادتها “المقاومة الشعبية ضد مقاتلي الحكومة السورية ستستمر حتى السيطرة على كامل سوريا ولن تقتصر على الساحل فحسب، وكشف تفاصيل عملية الأسبوع الماضي بين مدينتي اللاذقية وطرطوس، قائلاً إن العملية انطلقت في محور مدينة جبلة قرب الشريط الساحلي، حيث أدت الخطوة الأولى مقتل 10 عناصر من الجيش السوري الجديد.
وبحسب “مشرق نيوز”، اعتبر المصدر الميداني في المقاومة الشعبية السورية الكمين الثاني في مدينة جبلة ضد قوات الأمن السورية بمثابة ضربة قاتلة أخرى، وأضاف: “قُتل خلال هذه العملية عدد من المقاتلين بينهم أبو أنس محمبل من قادة المجموعة العسكرية الـ 400، وفي الوقت نفسه تمكن أهالي مدينة القرداحة بريف اللاذقية الجنوبي الشرقي من طرد المقاتلين الحكوميين من هذه المدينة والسيطرة على أجزاء من هذه المنطقة”.
وزعم المصدر الميداني الذي تحدث بشكل حصري لـ”مشرق نيوز” أن قواته استطاعت توجبه ضربة قوية أخرى للقوات الرديفة التي استجلبتها الحكومة السوري من خلال نصب كمين لهم على طريق جسر الشغور.
وأضاف هذا المصدر الميداني: “سيطر الأهالي وقوات المقاومة على قاعدة اللواء 107 قرب مدينة جبلة، واستعادوا السيطرة على الكلية البحرية في مدينة اللاذقية، وعلى مطار اسطامو بريف اللاذقية الجنوبي الشرقي”.
وأشار المصدر الميداني إلى مزيد من تفاصيل هذه العملية التي وصفها بالناجحة، وقال: “إن الأهالي والمقاومة الشعبية سيطرت على أجزاء أخرى من مدينتي اللاذقية وطرطوس في عمليات منفصلة، مما أدى لانهيار البنية القتالية لقوات دمشق”، بحسب زعمه.
وبحسب هذا المصدر الميداني، فإن الشرع، رغم قلة القوات، أمر بإرسال الآلاف من عناصره من مناطق أخرى إلى الغرب على حساب إخلاء العديد من المحافظات السورية لاستعادة محافظتي اللاذقية وطرطوس.
وأكد هذا المسؤول المطلع أن عملياتهم ضد الحكومة السورية في الساحل لم تتوقف، وأن جزء من القوات عاد إلى قواعده، ولا تزال مجموعة أخرى متواجدة في مدن طرطوس واللاذقية وبانياس وجبلة والقرداحة ومصياف وصافيتا والحفة وسلمى وديريكيش ومشتى الحلو وغيرها.
وزعم المسؤول الميداني أن العملية ضد القوات الحكومية لم تنته فحسب، بل بدأت للتو، مشيراً إلى أنه في الساعات والأيام الماضية، قد قاموا بشكل مستمر بنصب كمائن دقيقة وإلحاق أضرار جسيمة بأرتالهم العسكرية، خاصة على طرق الاتصالات، وهذا أمر يراقبه حكام العاصمة بشكل دقيق.
وفي توضيح لخطر المخطط الذي تدير طهران بالتعاون مع فلول النظام البائد، بينت “مشرق نيوز” أنه إذا نجحت ما تسمى “المقاومة الشعبية” في سوريا في السيطرة على محافظتي طرطوس واللاذقية غربي سوريا، زاعمة أن اتصال الحكومة السورية بالبحر الأبيض المتوسط سينقطع بشكل كامل، كما سيفت طريق اتصال من جنوب طرابلس إلى شمال لبنان ومن الشمال سيصل إلى جنوب تركيا، مما يوحي بجهود طهران الحثيثة لتشكيل كنتون طائفي يتوائم بشكل مثير للدهشة مع المخطط الإسرائيلي لسوريا.
ومن خلال دعم إيران لهذه الفلول وترويجها لرواياتهم، تزداد المخاوف من أن طهران تهدف إلى تنفيذ أجندات خارجية تؤثر سلباً على وحدة سوريا وتزيد من تعميق الأزمات الطائفية، مما يضر بمصالح الشعب السوري. هذا التحول في الإعلام الإيراني يعكس محاولة مفضوحة لتأجيج الأوضاع، في الوقت الذي يسعى فيه السوريون لبناء دولة مستقرّة بعيدة عن التدخلات الأجنبية والتطرف الطائفي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية